Site icon جريدة الدولة الآن

صرخات القدر

  بقلم : د. السيد سرور

صرخات تخرج منا دون أن نلاحظها تأتي في صورها المختلفة ، يمكن أن تأتي في شكل صغير جداً ويمكن أن تأتي في شكل أكبر للغاية ، تلك هي صرخات القدر .

القدر الذي لا يعلمه إلا الله ، يمكن أن يأتي في أي وقت وفي أي لحظة ، في صورة صغيرة على شكل ألم بسيط أو أزمة بسيطة ، ويمكن أن يأتي في صورة أكبر بكثير على شكل ازمة مرضية كبيرة او نستيقظ على صرخات القدر المحتوم لوفاة أعز الناس على قلوبنا .

تلك هي الفاجعة الكبرى ، كنا لا نتصور يوماً أننا نرى مصيبة أكبر من مصيبة الموت ، كنا نتصور أننا لا نرى أزمة تمر على قلوبنا أكبر من اننا نفتقد اعز الأحباب كانت ومازالت أكبر صدمة علينا جميعاً حينما نفتقد أقرب الناس لدينا او اعز الأصدقاء ، كان اليأس يمتلكنا والإحباط يسيطر على عقولنا والبكاء يتغلب علينا .

قبل وفاة أحد الأقارب أو الأصدقاء إذا مرض أحدهم لا نكف عن السؤال لا نمل من الإطمئنان لا يهدأ لنا بال إلا أن يتم شفاؤه ويطمئن قلبنا نرتاح عندما نسأل ولو بكلمة أو إتصال بسيط ، ونعلم أن المواساة له نجاة وطمأنينة لقلبه ، كانت حياتنا تستمر بروح المحبة والود كنا نعطي الأمل في الحياة لمن كان يفتقده عند مرضه كانت هي حياتنا .

عندما كنا نعتقد أننا ننغمس في الحياة حزناً على مرض أو وفاة أقرب ما لدينا ، ولكن المصيبة الكبرى أصبحت عكس ذلك تماماً المصيبة أصبحت في مرض أي شخص حتى ولو كان أعز الناس وأقرب الناس لنا ، حينما ظهر مرض جديد يسمى بالكورونا أصبح مرض التنمر والبعد عما نحب حتى ولو بسؤال فقط تلك هي المصيبة فعلاً أصبحنا نتهرب من بعضنا البعض وأصبح المريض ضحية لقدر ليس بيديه والأغرب أنه يجب عليه تحمل هذا القدر وحده دون سؤال أو إطمئنان ، ليس علينا زيارته وإنما اتصال او رسالة تمحي حزنه وألمه ، بل يمكن أن نبتعد عنه تماماً، ولكن ليس علينا أن نتنمر عليه ونقذفه بكلمات وعبارات جارحة تصحبها بأس عليه من الحياة ، عبارات يمكن أن تكون قاسية أكثر من شدة المرض والألم نفسه .

أصبحت هي صرخات القدر الذي لا نعلمه والتي كادت تأتي علينا نحن ليس على مريض ننتظر شفاؤه أو على متوفى افتقدناه العجب وكل العجب أصبحت تلك الصرخات ملك لصاحبها فقط بل ازدادت أكثر عندما يتنمر أحدنا عليه ، إعتقادنا أنه كل من يمرض يذهب ذهننا إنه مريض بهذا الوباء اللعين الذي سيطر علينا وعلى عقولنا وانجرف بنا لهوية غير معلومة وظاهرها الأنانية والجفاء والتنمر حتى على أقرب وأعز الناس علينا .

نعلم جميعاً أننا لسنا نمتلك حياتنا ولا قدرنا يمكن أن يكون أحداً منا هو الضحية في يوم من الأيام يحتاج لمن يواسيه يسأل عنه يتقرب منه يطمأنه ولو بكلمة ، لا يريد أن يتهرب منه أحد أو يبعد عنه أحد ، لما لانه كان قاسياً على غيره في السابق كان يعتقد أن من سبقه ليس مريضاً وما بداخله ألم ولا يعلم أنها صرخات القدر التي ليست بيد أحد .

الحياة ليست ملك لأحد ولا بيد مخلوق فإنها يوم لك ويوم عليك فأعلم أننا لسنا على الأرض مخلدون وأننا سيأتي يوم ومنها زائلون ، لذا الخلق والتدين والتسامح هم الباقون ، كل ما علينا هو ما نريده لأنفسنا نعلم أن غيرنا يريد لنفسه ذلك الأمر والمكسب الحقيقي هو إرضاء الخالق وإرضاء النفس بالخلق والتراحم والمحبة .

Exit mobile version