Site icon جريدة الدولة الآن

أشعر أنني عارية من شدة اختراق نظراته جسدي

     منارعماد

تكاثرت الأفعال الدنيئة في المجتمعات المعاصرة إلي حد كبير وبدرجة لايمكن إحصاءها، ولكن لماذا يصر الشخص علي الإتيان بفعل ما رغم كونه ضد القيم والأخلاق؟ وما الذي يجبر الشخص علي فعل ذلك الشئ الذي يقاوم بقوة كل محاولات قمعه؟ وهل هناك طريقة تمكننا من وقف هذا الفعل الذي يعد من أخطر ما تواجهه مجتمعاتنا في الآونة الأخيرة؟

ولا يسعني إلا أن أقول أن ذلك الفعل هو ما توقعته أنت أيها القارئ “التحرش”.

تتعدد مفاهيم التحرش باختلاف الأشخاص فهناك من يراه متجسدا في التعدى بألفاظ أو بإيحاءات جنسية أو التصفير أو الغمز أو فتح الفم أو لمس أجزاء من الجسد، والبعض يعتقد أنه المرحلة التي تسبق الإعتداء الجنسي المعروف ب”الإغتصاب”، ولكن يمكننا تعريفه بشكل عام أنه اضطراب سلوكي غير مرغوب فيه يكون بفعل أو بقول يسبب أضرار جسدية أو نفسية للضحية المستهدفة.

كما تختلف أنواع التحرش تبعا للطريقة فهناك:

• التحرش العرقي وهو شكل من أشكال السخرية والتمييز والذي يطلق عليه اسم”التنمر”.

• التحرش الإلكتروني وهو عبارة عن إرسال رسائل إلكترونية ذات طابع جنسي أو بها محتويات إباحية عبر وسائل التواصل الإجتماعي.

• التحرش الإداري والذي يكون في مكان العمل ويشمل الإبتزاز الجنسي من رؤساء العمل عن طريق رفض الترقيات وربطها بأفعال جنسية أو الإرغام علي العمل تحت تهديد العنف البدني أو الإبتزاز النفسي.

• التحرش بالملاحقة والتتبع غصبا وذلك عبر تتبع حركة الضحية والتواجد دون رغبتها في كل الأماكن التي تذهب إليها أو مضايقتها عن طريق مكالمات هاتفية.

ولايمكننا أن نقتصر أنواع التحرش علي ما سلف ذكره؛ حيث أن إصدار الشركة قرارات تعسفية غير عادلة تحرشا بمستقبل موظفيها، وإعاقة الموظفين العاطبين لمصالح الشركة تحرشا بها، وتصدير جماعة لفكر معين قسرا تحت ظل سلطات مختلفة يعد تحرش بفكر الآخر واعتداء علي حرية رأيه، وهناك تحرش حقوقي وتحرش قضائي وتحرش فكري أيضا، ولكننا سنتحدث عن التحرش الجنسي.

يعد التحرش الجنسي من أخطر أنواع التحرش علي الإطلاق إذ لم يكن أخطرها بالفعل، فهو صيغة من الكلمات والأفعال غير المرغوب بها ذات الطابع الجنسي والتي تنتهك جسد ومشاعر الضحية، وتجعلها تشعر بعدم ارتياح وفقد للأمان وبالخوف والإهانة، وعادة مايكون من خلال القيام بأفعال جنسية تجاه الضحية بالإكراه كالتقبيل القسري والتعرية، وأحيانا مايكون بشكل جماعي علي ضحية واحدة، وغالبا مايكون في الأماكن العامة والشوارع ووسائل المواصلات.

وقد شهد العام الماضي قضية من أبرز قضايا التحرش وهي حادثة تحرش جماعي ب”فتاة المنصورة”، حيث كان هناك فتاتين تمشيان في شوارع المنصورة عندما بدأ مجموعة من الشباب بالركض خلفهما وقاموا بشدهما ولمسهما إكراها إلى أن استطاعت الفتاتين الهرب منهم والدخول لأحد محلات الموبايلات لتختبئا به لكن صاحب المحل خاف وطلب منهما المغادرة، ثم توجهت الفتاتينن إلى محل اخر و قامتا بإجراء مكالمات هاتفية حتى يأتي احد لإنقاذهما، وبعد مرور بعض الوقت وصل احد معارف إحدى الفتاتين وأخذها وغادر تاركين الفتاة الأخرى، والتي تصاعدت معها المشكله إلى حيث حاول الشباب تهريبها في سيارة حمراء وهي تقاوم لفترة طويلة دامت ساعتين ونصف إلي أن جاء “7-8” من الشباب غير المئات التي كانت تشاهد وحاولوا مساعدتها وإخراجها وقد نجحوا في ذلك.

وقد رصدنا بعض آراء المختصين فقد قالت الأخصائية الإجتماعية “فاطمة الزهراء” بمؤسسة جوهرة الشرق الجزائرية، أن الرجل الذي لديه وازع ديني لايمكن أن يقوم بتصرفات مشينة في حق المرأة حتي لو كانت عارية لأن لباسها لايبيح التحرش بها، وقد ذكرت الأخصائية النفسانية “بوشايب سامية” ان جسد المرأة هو ملكها ويحق لها لبس ماتشاء وأن الرجل إذا كان يتأثر بها فعليه بغض البصر.

كما أكد الطبيب النفسي “أحمد عبدالله” أن المتحرش ليس مريضا نفسيا بل هو شخص مدرك لأفعاله ولكنه يعاني خللا يجعله يفعل ذلك؛ حيث يشعره هذا بلذة وقتية ليس من لمس جسد الضحية أو مغازلتها وإنما من فكرة التعدي عليها وقمعها وشعوره بالتفوق عليها وإزعاجها، حيث أوضحت “مزن حسن” المديرة التنفيذية لمؤسسة نظرة للدراسات النسوية، أن مايدعم شعور المتحرش ويشجعه علي تكرار فعلته هو رد فعل المجتمع الذي مازال ينظر للمرأة علي أنها الطرف المذنب الذي تسبب في انتشار هذه الظاهرة.

ولعلنا نذكر بعضا من كلمات ضحايا تلك الظاهرة فيكفي السؤال عندما يتعلق الامر بالتحرش في مصر لتنهال عليك الاجابات التي تحمل وجعا لاتعرفه سوي النساء فقد علقت “م.م” الطفلة ذات ال”10″ سنوات عن تعرضها للتحرش من قبل معلمها، بأنها كانت تشعر بالخوف ولم تحكي لوالدتها؛ معللة: ” هو مسكني من مكان عيب ولو حكيت لماما هتقتلني”.

وقالت إحدى العاملات بعد تعرضها للتحرش من قبل رب عملها، أنها كانت مضطرة علي الصمت من أجل الحفاظ علي مصدر رزقها، وفي شهادة أخري حكت الضحية عن ألمها قائلة: كنت أحاول طوال الوقت إخفاء شعور لا أعرف ماهيته ولكنه كان يمنعني من الإقتراب والثقة بالآخرين”، حيث أنها ظلت عرضة للتحرش الجنسي من جانب جارها علي مدي 9 سنوات من أن كانت طفلة، وقد عبرت إحدي السيدات عن شعورها تجاه ما تعرضت له من تحرش “قد يتحقق الشفاء التام عندما نصدق جميعا أنني لست المسؤولة عن ما حدث لي” حيث أنها خضعت للعلاج النفسي بعد تعرضها للتحرش لمرات عديدة.

يؤسفني أن أقول أن العالم يلقي اللوم على المرأة وتحميلها مسؤولية التحرش بها، حيث قيل أن الرجل يستثار عاطفيا و بيولوچيا ولا يمكنه الصمود أمام ملابسها الشفافة الضيقة والمحددة لتفاصيل جسدها والتي تبرز مفاتنها، كما أن البعض قد قال أن المرأة هي التي تتعمد التحرش بالرجل وإلقاء حبالها من حوله لإيقاعه في المصيدة، ولكن هناك دراسات وابحاث أكدت أن “75%” من النساء اللاتي تعرضن للتحرش هم محجبات محتشمات لا يضعن مساحياق التجميل.

وعلينا جميعا أن نتكاتف لنبذ هذه الظاهرة وعلي كل امرأة أن تتعرف علي حقوقها القانونية فيما يتعلق بالتحرش ولا تخجل من المطالبة بها والتقدم بالشكاوي للسلطات المعنية، وايضا يمكنها طلب المساعدة من إحدي مؤسسات المجتمع المدني المهتمة بالتصدي للعنف ضد المرأة ، ونرجو من الدولة وضح قوانين أكثر لترهيب القائمين بهذه الفعلة، ولكن هل سيستمر مجتمعنا يعاصر هذه الظاهرة؟ وإلي متي ستظل نساء العالم تعاني من هذا الاضطهاد؟وهل يجب علينا أن ننزعج من سؤال الكاتب “محمد بكري” عن كون التحرش فن أم جريمة ؟

Exit mobile version