إذا صلح الوالد صلح الولد مسألة متعارف عليها، واعتادت عليه الطبيعة البشرية ،أن الذرية الصالحة ماهي إلا نشأت لأباء صالحين.
ولا يعني ذلك أن تلك الآباء ملائكة فكل منا يخطأ ويصيب، لكن من أتقن عمله لوجه الله لا يريد غيره ، يكافئه الله بطرق مختلفة إما برؤية صالحه أو بركة المال والذرية.
من أبرز القصص التي نرى فيها حكمة الله تعالى وثوابه لمن أصلح في عمله ،هي قصة رجل يعمل بصناعة الحصير ، وكان كلما وجد مصلي بلا حصير أو مغطاه بقش الأرز هرع إليها وفرشها بالحصير بلا أجر .
جات لهذا الرجل رؤيا غريبه “بأنه يري أن عموده الفقري يتشكل ويتدلى منه عنقود من عنب ،والناس تأتي جماعات لتأكل منه وعنقود العنب لا ينقطع “، تكررت الرؤيا علي صانع الحصر فذهب إلي أحد مشايخ البلدة وقص عليه رؤيته ، فبشره الشيخ وسأله إن كان له من الذرية أن يدخله الأزهر فسوف يكون له شأن كبير، ومن هنا بدأ قصة صاحب “عنقود العنب “الشيخ محمود خليل الحصري.
ألحقه والده “خليل الحصري “بكتاب بلدته بشبري نمله بمحافظة الغربية وهو لم يتجاوز “أربعة” أعوام، وأتم حفظ القرآن في السن “الثامنة “، كان هناك فارق ثلاث سنوات على الالتحاق بالأزهر وكان شرط القبول بالأزهر أن يبلغ سن “١٢”، فتعلم فيهم حفظ القران بتجويد وأحكامه ، ثم التحق بالأزهر وتعلم في القرات العشر وأخذ شهادته في (علم القراءات)، ثم تفرغ لدراسة علوم القران .
وعقب تخرج “الحصري” من الأزهر تعين مقرأ سيدي عبد المتعال في طنطا ، وبعد مأذون في مسجد سيدي حمزه ، ثم صدر قرار بتعينه المشرف الفني علي مقارئ بمحافظة الغربية، إلي أن وصل بتعينه إمام مسجد الأمام الحسين بالقاهرة.
نالت موجات الإذاعة شرف لبث صوته عبر اجهزتها ، جاء ذلك بعد فوزه في امتحان الإذاعة لعام ‘١٩٤٤’، وكان متميز عن غيره من المتقدمين، فقد حصل علي المركز الأول وتم إذاعة أول بث مباشر له في نفس العام .
تميز “خليل” بكونه أول في تسجيل القرآن بالروايات الواردة عن رسول الله ، فسجل برواية حفص عن عاصم ، رواية قالون ورواية الدوري ،،أول من سجل برواية ورش عن نافع ،أول من رتل القرآن في العالم بطريقة المصحف المفسر (مصحف الوعظ)
رن صوت” الحصري “في جميع أنحاء العالم ،منها الأميركتين ذلك أثناء زيارته للجاليات الإسلامية هناك ، ووصل إلي الأمم المتحدة فكان أول من رتل القرآن بها ، وظل يترنم بالقران حتي سمع صوته جدران القاعة الملكية في بريطانية.
كما كان “لشيخ محمود “دور بارز في الدفاع عن دين الله ، وظهر ذلك عندما انتشر في مصر والعديد من الدول العربية صحف محرفه ، وكذلك انتشر أصوات قراء لتلك المصاحف ،كان ذلك في عهد الرئيس الراحل “جمال عبد الناصر” فأصدر قرار بإعدام المصاحف المحرفة وتكليف مطبعه ‘الشمرلي’ لطبعة المصاحف، وكلف الإذاعة باختيار من يسجل القران ليقضي علي الاصوات المحرفة للقرآن ، فأعلنت الإذاعة اختيار الشيخ “الحصري “ليسجل القرآن مرتلا ،ورفض أخذ مقابل علي تسجيله .
ألف “محمود” العديد من الكتب في أحكام قراء القرآن الكريم منها معالم الاهتداء إلي معرفة الوقف والابتداء، النهج الجديد في عالم التجويد رحلتي في الإسلام، إلي جانب حرصه على بناء المساجد وأنشاء مراكز لتحفيظ القران بتجويد والمعهد الابتدائي والإعدادي والثانوي بمسقط رأسه بشبري نمله.
رحل عن عالمنا بعد معاناة من مرض بالقلب مساء يوم الإثنين الموافق ٢٤نوفبر ١٩٨٠، كان ذلك بعد أدائه فريضة صلاة العشاء فذهبت روحه راضية مرضية بإذن الله ، وكانت وصيته هي أتبرع بثلث تركته لتحفيظ كتاب الله.