اعتاد المصريون على وجبات ذات أسماء غريبة، تحمل أسماء أشخاص، وارتبطوا بها على مدار السنين، وأصبحت ضمن أطباق الحلوى المميزة، ومن هذه الأكلات “أم على” وهى حلوى تقدم ساخنة وهى مزيج من الحليب ورقائق الخبز مع المكسرات تقدم بالصينية، فيما تسمى فى غرب العراق بـ”الخميعة”، ويفضل إضافة الزبدة أو الدهن لجعلها تكتسب دسما، أما فى السودان فتمسى بفتة لبن، واشتهرت فى السعودية وتقدم فى الحفلات الكبيرة كحفلات الزواج والأعراس. وبحسب كتاب “لقمة القاضى” للكاتب تامر أحمد، فإن أم على وجبة تم اختراعها بعد جريمة شنعاء وهى “أم على” أرملة عز الدين أيبك، التى احتفلت باغتيالها شجرة الدر ملكة مصر، وضرتها فى الوقت نفسه، ورميها من فوق أسوار القلعة، وسميت الأكلة نسبة إليها وابنها المنصور نور الدين على بن أيبك. فيما يذهب كتاب “تاريخ المطبخ المصرى” لحنان جعفر إلى أنه بعد وفاة شجرة الدر خلطت أم نور الدين على بن أيبك الدقيق والسكر مع المكسرات وباقى المكونات احتفالا بموتها، ووزعت منه على الناس، ومنذ ذلك الوقت دخلت هذه الحلوى إلى قائمة الأطباق المصرية.
أم علي
تعود وقائع الحكاية حين تزوجت الملكة “شجرة الدر” عقب وفاة زوجها السلطان نجم الدين أيوب من الأمير المملوكي عز الدين أيبك، الذي كان متزوجا ولديه ابن يدعى علي، في البداية أبدى أيبك اهتماما كبيرا بزوجته الملكة متظاهرا أمامها بتجاهل أسرته وتناسيها، إلا أنه وبمرور الأيام حن إلى قديمه وعاد لزيارتهم والتردد عليهم بل ووصل به الأمر للتفكير في إعلان زوجته الأولى ملكة على مصر بدلا من شجرة الدر، الأمر الذي أشعل نيران الغيرة بداخلها فقررت الانتقام لنفسها، باستئجار من قام بقتل أبيك ظنا منها أنها قد تخلصت بذلك من المتاعب وانتقمت لكرامتها.
لكنها لم تهنأ بذلك الانتقام أو بوضعها الجديد فقررت أم علي أن تضرب عصفورين بحجر واحد أن تثأر لزوجها المقتول وتنتقم من شجرة الدر في الوقت ذاته ، وهي حادثة سجلها التاريخ كأحد أغرب وقائع انتقام الضرائر، حيث قامت باصطحاب عدد من جواريها ودخلت على شجرة الدر في حمامها وأوسعتها ضربا بـ”القباقيب” الخشبية حتى لفظت أنفاسها الأخيرة ، ولم تكتف بذلك بل سارعت إلى إعداد كميات كبيرة من حلوى صنعتها من الرقاق واللبن المحلى بالسكر ووزعتها على العامة من المصريين الذين لم يعرفوا اسم هذه الحلوى، فأطلقوا عليها اسم صاحبتها “أم علي”، وهي رقائق من العجين المغموس في الحليب، والمغطى بالقشدة الطازجة والمكسرات والزبيب وجوز الهند.
روايات ومسميات متعددة:
وعلى ما يبدو، فإن حقوق الملكية في هذا الطبق تعود في بعض المقولات إلى المدينة المنورة، حيث يتداول سكان مدينة رسول الله أن لهذا الطبق حكاية أخرى، حيث اشتهر هذا الطبق باسم “فتة الحليب” ومكوناته رغيف من الخبز منقوع في الحليب ومضاف له السكر، وكان يقدم ساخنًا للمصلين في المسجد النبوي بعد صلاة الفجر كنوع من الطعام الساخن في فصل الشتاء.
فيما ذهب آخرون بقولهم أن حلوى “أم علي” قد ارتبطت بحاكم مصر الأسبق محمد علي باشا. فقد أبدى إعجابه بالطبق الذي تناوله أثناء زيارته للمدينة المنورة، وطلب من طباخه الخاص أن يتعلم أصول إعداد الزلابية، وبانتقالها إلى مصر أطلق عليها “أم علي”. بعدها انتقل الطبق إلى كثير من البلاد العربية مثل بلاد الشام التي حافظت على إسم الحلوى كما هي وأضافت لها الفستق الحلبي، والصنوبر، واللوز، بينما تحول في تونس إلى “مرقوق بالحليب”، وتسمى في العراق بالخميعة، أما بالسودان فتعرف بفتة اللبن
بينما توضح الدكتورة “ميرفت فاروق” أستاذة التاريخ بجامعة عين شمس ارتباط الطبق بهذا الاسم بقولها «كانت أسماء السيدات في العصر العثماني عبارة عن ألقاب كأم أحمد وأم علي وغيرها من الأسماء، يرتبط الاسم بهن منذ الميلاد، فإطلاق اسم أنثوي يعتبر عيبا ويخدش الحياء، فكانت البنات يحملن أسماء ذكورة مسبوقة بكلمة «أم» ومن هنا جاء أسم “أم علي” .
وشهدت “أم على” العديد من الإضافات، ففي بلاد الشام أضيفت المكسرات كالبندق واللوز والزبيب والقشطة، وفي تونس الخضراء، أضيفت المكسرات والكريمة الخفيفة، حتى صارت تحاكي بعض أنواع الحلويات الغربية. و”أم على” غنية أما بقيمتها الغذائية، الدكتورة “بسنت هاشم” أستاذ التغذية والعلاج الطبيعي، فإن “أم علي” وجبة شتوية تحتوي على 2400 سعر حراري، ومصدر قيمتها الغذائية من الحليب الذي يحتوي علي درجة عالية من الكالسيوم، بالإضافة إلى النشويات التي تتمثل في الرقاق أو الخبز، كما توفر المكسرات كميات كبيرة من الفتيامينات. أما كميات السكر العالية فتعطي “أم علي” قيمة غذائية متكاملة لذيذة الطعم، يقبل عليها الكثير وخاصة الأطفال.