Site icon جريدة الدولة الآن

جهاز من الإبرة للصاروخ.. وزواج من قاعة العرس إلى محكمة الأسرة

كتبت: حبيبة عبدالسلام

يشهد التاريخ منذ بداية الخليقة أنه عندما يخرج الإنسان عن التعليمات التي وضعها الخالق له، فإنه يدخل في دائرة من التيه الذي لا نهاية له، فسِرّ العيش الهانئ في الإذعان المطلق لتعليمات الإسلام التي حددت بالفعل أشكال الحياة بكل تفاصيلها، وخصوصاً فيما يتعلق بتجهيزات الزواج.

قال الله تعالى { وَالَّذِينَ إِذَا أَنفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَٰلِكَ قَوَامًا }، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم (أَعْظَمُ النِّكَاحِ بَرَكَةً أَيْسَرُهُ مَؤُونَةً)، فقد جاء الوحي من الله سبحانه وتعالى لهدايتنا إلى الطريقة التي نجعل بها الزواج ناجحاً، فالخطوة الأولى من خطوات الزواج الناجح هي التسهيل على المقبلين على الزواج، فمنذ أن ابتعدنا عن هذه التعليمات، وحالنا في تدهور مستمر وسرعان ما يتحول حال الزوجين من سعادتهم في قاعة العرس، إلى تحول حالهم إلى محكمة الأسرة طلباً للانفصال.

وفي هذا السياق رصدت عدسات جريدة (الدولة الآن)، إحدى سيدات قرية النطاف بمحافظة كفر الشيخ تدعى “أسماء عبدالله” وتبلغ من العمر”53″ سنة، رزقت “أسماء” ب”ثلاثة” بنات، وتوفي والدهم منذ “عشرة” سنوات، ليتركها وحدها أمام تحدٍ صعب، فإن مسؤولية تجهيز وتزويج هؤلاء البنات تقع على عاتقها وحدها، وكان العرف السائد أن يكون جهاز العروسة متكاملاً من كافة الأشياء، والكثير من المبالغة محمودة عندهم بالطبع، لتتحول السيدة “أسماء” إلى امرأة تحمل هماً كبيراً لا تعرف كيف يزول.

أدت هذه الأعراف الخاطئة المنتشرة في قريتها حينها، إلى أن اضطرت السيدة “أسماء” إلى أخذ عدة قروض من البنوك لتتمكن من تحمل تكاليف تجهيز ابنتها العروس، فوصل بها الحال أن اقترضت مبلغ يصل إلى “150 ألف” جنيه، لكي تكمل جهاز ابنتها، وبالفعل تزوجت ابنتها الكبرى وغرقت هي في الديون التي ليس لديها أدنى فكرة عن كيفية تسديدها، مما أدى بها الأمر إلى السجن لمدة عامين، ليقوم أحد فاعلي الخير بتسديد دينها، لتخرج وتجد أن ابنتها قد تطلقت من زوجها، بسبب معايرته لها هو وأهله بأن والدتها سجينة بسبب كثرة الديون.

في سياق مشابه في إحدى قرى محافظة المنيا، طلبت عائلة العروس من العريس تجهيز منزل كامل بأثاث فاخر وأجهزة كهربائية باهظة الثمن، بالإضافة إلى أدوات مطبخ كاملة، نتيجة لهذه الطلبات، اضطر العريس إلى الاقتراض من أصدقائه وأفراد عائلته لتلبية احتياجات الزواج. ومع تزايد الضغوط المالية، وجد العريس نفسه غير قادر على تسديد الديون بعد الزواج، مما أدى إلى حدوث خلافات كبيرة بين الزوجين وانتهى الأمر بالطلاق بعد فترة قصيرة من الزواج.

وقد رصدت جريدة (الدولة الآن) بعض آراء المواطنين حول هذه القضية فكان جواب “سعاد على” إحدى ربات البيوت بمحافظة الدقهلية بأن تجهيز العرائس في الفترة الحالية (قطمة وسط)، وحمل كبير على الوالدين ويؤجل خطوة الزواج لفترة كبيرة، وعند سؤال “عزة محمود” إحدى الموظفات بالقطاع الخاص عن رأيها في المبالغة في شراء جهاز العروس، أعربت عن قلقها الكبير من مرحلة تجهيز بناتها، حيث أن لها “أربعة” من البنات أكبرهن في المرحلة الجامعية، مضيفة أنه عبء كبير عليها وعلى والدهن أن يقوموا بتجهيزهم وفق تلك المعايير المبالغ بها.

قد يهيأ للبعض بأن المبالغة في جهاز العروس والعريس متعلق فقط في محافظات دلتا مصر، ولكن العكس صحيح تماماً، فإن هذه الثقافة والأفكار الخاطئة قد انتشرت بشكل كبير وسيطرت على العقول، ففي أحد أحياء القاهرة، أصرّت عائلة العروس على تجهيز شقتها بأحدث الأجهزة الكهربائية والمفروشات الفاخرة، وبعد أن تمكن العريس من توفير كل هذه الطلبات من خلال الاقتراض والادخار لعدة سنوات، وجد نفسه غير قادر على تحمل تكاليف الحياة اليومية بسبب الديون المتراكمة، فأدى به ذلك إلى توتر في العلاقة الزوجية وانتهى الأمر بانفصال الزوجين بعد عامين فقط من الزواج.

زاد عدد الغارمين والغرامات بشكل كبير بسبب المغالاة في تجهيزات الزواج مما دفع الدولة إلى أن تتخذ خطوات عدة، منها إطلاق حملات توعية تهدف إلى نشر الوعي حول تأثير المغالاة في تكاليف الزواج وتبسيط الإجراءات، وأيضاً تنظيم الزيجات الجماعية، حيث تنظم بعض الجهات الحكومية ومنظمات المجتمع المدني حفلات زفاف جماعية للشباب، حيث يتم توفير كل ما يلزم للزواج بأسعار مخفضة، مما يساعد في تقليل الضغوط المالية على العائلات.

كما تقوم الدولة أيضاً بتشجيع التعديلات القانونية حيث تجري الحكومة تعديلات على القوانين والتشريعات المتعلقة بالزواج بهدف تنظيم وتحديد ما يجب أن يتضمنه جهاز الزواج بشكل معقول، وقد تشمل هذه التعديلات تحديد سقف معين لتكاليف الجهاز، بالإضافة إلى عمل الحكومة مع منظمات المجتمع المدني والمؤسسات الدينية لتعزيز مفهوم الزواج البسيط والميسر، ونشر ثقافة التيسير في أمور الزواج.

هذا تقدم بعض البرامج الحكومية والجهات الخاصة قروضًا أو مساعدات مالية للشباب لمساعدتهم على تحمل تكاليف الزواج وتخفيف الأعباء المالية، فهذه الجهود تهدف إلى تحقيق توازن بين تقاليد الزواج ومتطلبات العصر الحديث، مما يسهم في تسهيل الزواج وتخفيف الأعباء المالية عن الشباب والأسر.

عسانا نعود إلى الفطرة السليمة وندرك أن ما يهم ليس الأجهزة باهظة الثمن أو الأثاث الراقي، بل ما يهم حقاً هو العشرة الطيبة والسكينة، عسانا نعود لديننا ونضع نصب عينينا قوله صلى الله عليه وسلم (إِذَا جَاءَكُمْ مَنْ تَرْضَوْنَ دِينَهُ وَخُلُقَهُ فَزَوِّجُوهُ، إِلَّا تَفْعَلُوا تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الأَرْضِ وَفَسَادٌ عَرِيضٌ).

Exit mobile version