Site icon جريدة الدولة الآن

مدد يا صاحب المقام..هنا حيث يلتقي الإيمان بالعادات

 

تحقيق: رحمة سيد

أصحاب الكرامات قصص وحكايات تنطوي خلف هذا اللقب، أُناسًا لا يجدون راحتهم إلا عند أضرحة هؤلاء الصالحين، هذا ما يدفعهم لجعلها مقامات للدعاء فيها بما يتمنون آملين في تحقيق حاجاتهم.

المَقام هو المكان الذي أقامت فيه شخصية صالحة، فيتوجه الناس لزيارته بعد وفاته على اعتبار أن به من الروحانيات والبركة ما يؤهله ليكون مكانًا للدعاء، ولا يشترط أن يكون الشخص مدفونًا فيه.

ظهرت المقامات في عهد الدولة الفاطمية في القرن الرابع الهجري عام “969”م، وكان مقام السيدة نفيسة هو أول مقام قاموا بإنشاءه، ومن بعدها بدأ يتوالى ظهور المقامات كمقام السيدة زينب والسيدة رقية والحسين وغيرهم، وكان اهتمامهم في هذه الفترة بمقامات آل البيت لجعلها مزارًا دينيًا يذهب إليه المسلمين، مع إقامة مولد خاص بكل مقام يقوموا فيه باحتفالات تشمل حلقات ذكر وأطعمة ومشروبات.

بمرور الزمن ظل المصريين محتفظين بعادة الاحتفال بالموالد الدينية لتمثل عادة مصرية أصيلة مرتبطة بهم، ولكن ظهرت بعض المشاهد التي يفعلها الناس في هذه الموالد، كانت وظلت حديث الناس مسببة إثارة جدل بينهم، كقيام شخص بالمسح على المقام، وإلقاء المال بداخله، وعبارة (مدد يا صاحب المقام).

تضم مصر عدد من المقامات التي تنسب لآل البيت كمقام السيدة “نفيسة” حفيدة الإمام “الحسن بن علي” والتي لُقبت بنفسية العلم وكريمة الدارين، ولدت في مكة في عام “145”هـ وتوفيت في مصر عام “208”هـ، ويقام في كل عام احتفالاً بمولدها بقراءة القرآن وإقامة ندوات دينية وابتهالات بالقرب من مسجدها.

بجانب وجود مقامات لآل البيت، يوجد أيضًا عدد كبير من المقامات التي تنسب لأئمة وصالحين يقال عليهم أنهم ذو كرامات، ويقام لكل منهم مولد خاص به كمولد “السيد البدوي” وهو “أبو العباس شهاب الدين أحمد البدوي” والذي ولد في فارس بالمغرب وتوفي في طنطا عام “675”هـ، كما لُقب بألقاب كثيرة (كشيخ العرب وأبي الفتيان والملثم والسطوحي)، وفي كل عام يقام له احتفال بمولده على الطريقة الصوفية، ويحضر فيه عدد كبير من الناس قد تصل لملايين، يقام فيها حلقات ذكر وندوات دينية ومدائح نبوية وشرعية.

هذا وقد صرحت دار الإفتاء المصرية حول حكم زيارة مقامات آل البيت والأولياء والصالحين بأنها أقرب القربات لقوله تعالى (قل لا أسألكم عليه أجرًا إلا المودة في القربى) ولقوله صلى الله عليه وسلم وهو يخطب بالناس (وأنا تارك فيكم ثقلين أولهما كتاب الله فيه الهدى والنور فخذوا بكتاب الله واستمسكوا به، وأهل بيتي أذكركم الله في أهل بيتي أذكركم الله في أهل بيتي أذكركم الله في أهل بيتي)، أما عن القول بأن زيارتها بدعة أو شرك هو كذب على الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم،

وتابعت حول استغاثة المسلم وطلبه المدد من الأنبياء والأولياء والصالحين فهو محمول على السببية لا على التأثير والخلق، فالأصل أن تحمل الأفعال التي تصدر عن المسلم بما لا يتعارض مع توحيده لأن إسلامه قرينة قوية ولا يجوز حملها على خلاف ذلك فتلك قاعدة عامة، فيجوز طلب المدد والعون من المخلوقين على جهة السببية والاكتساب، أما الطلب على جهة الخالقية والتأثير فهو عبادة لا يجوز صرفها إلا لله تبارك وتعالى.

من جانبه، رصدت جريدة الدولة الآن آراء بعض المواطنين حول هذه القضية، حيث أفادت “علا ص.” أن زيارة المقامات والدعاء جائزة في الإسلام ومستحبة، لكن أصبح معظم ما يحدث في الموالد مهزلة، لان معظمهم محبين وكل شخص يعبر عن الحب بطريقته، لكن من تربى على أيادي شيوخ أو مريدين طرق صوفية لهم عادات أخرى محترمة بدون الاختلاط والمهزلة التي تحدث، مضيفة “هاجر ا.” أنه إن كان مقام من آل البيت فبالنسبة لها جائز فنحن نصلي على محمد وآل محمد، أما مقامات الآخرين فلا تفضل التوسل إليهم.

في ذلك الإطار سرد “محمد م.” موقف حدث معه أثناء زيارته مقام السيده نفيسة ذاكرًا (ذهبت للمقام بنية قراءة الفاتحة لها، والدعاء لله من عند مقامها رضي الله عنها وأرضاها لعله مستجاب لأنها من أطهر نسب على وجه الأرض، فوجدت بعض الشباب يبدو أنهم متعلمين يقوموا بإلقاء المال داخل المقام، فسألتهم عن سبب فعلتهم، فرد أحدهم أنها صدقه ولعدم وجود صناديق في المكان يقوموا بإلقاءها في المقام، وأنها ليست للميت بل بنية عمل الخير، فأعجبت برد الشاب وقمت بإلقاء مال في المقام)، مستكملاً (ما أقصده أن هناك أشخاص يعرفون أن النافع والضار هو الله، لكن ذلك من باب تكريم أصحاب المقامات وأنهم من أطهر خلق الله فيكون الدعاء والصدقه عندهم أفضل، وذلك يرجع لفهم وعقيدة كل شخص لكن الأشخاص التي تعتقد أنهم يأتي منهم نفع وضرر بدون الله فهذا هو الجهل بعينه والله أعلى وأعلم).

بعد الأخذ بالآراء نجد أن مسألة زيارة قبور الصالحين تتعلق بالروحانيات، فالناس تذهب لهناك لتتواجد في مكان يعم بالبركة فيتثنى لها الدعاء كما تشاء بما تشاء، أما عن التوسل والتضرع بطريقة تظهر أن ذلك موجه لصاحب المقام لا لله فتتعلق بنية الشخص، فقد تكون طريقه تعبيره عن حبه مع علمه أن صاحب المقام ليس بيده شئ، وقد تكون خالصة له منساقًا في ذلك خلف عادات تربى عليها.

بناءًا على ذلك نجد أن علينا حل ذلك مع أنفسنا أولاً، فكل شخص يحدد في قراره نفسه قبل ذهابه للمقام أهو ذاهب للزيارة والدعاء باعتباره مكان بركة أم التوسل من صاحب المقام لتحقيق أمنيته؟، كما يلزم تقديم برامج توعية حول الغرض الأساسي وراء وجود تلك المقامات وإقامة الموالد.

Exit mobile version