Site icon جريدة الدولة الآن

السياسه فى العالم العربى

 

بقلم . المستشار عماد ابراهيم

السياسة في العالم العربي
والبحث عن الاستقرار بين التحديات والتطلعات

لطالما مثلت الحياة السياسية في الدول العربية محوراً للجدل والتحليل، فهي نسيج معقد يجمع بين إرث تاريخي عريق، تحديات بنيوية داخلية، وتأثيرات جيوسياسية خارجية عميقة. وبينما تتباين التجارب السياسية بين دولة وأخرى، إلا أن المنطقة تتشارك في مجموعة من القضايا المحورية التي ترسم ملامح مستقبلها السياسي.
* تحديات الاستقرار والبناء المؤسسي…
يواجه المشهد السياسي العربي تحديات مزمنة تؤثر مباشرة على الاستقرار والازدهار. يبرز تحدي البناء المؤسسي الديمقراطي كأحد أبرز العقبات، حيث أن الانتقال إلى أنظمة سياسية أكثر شمولية ومشاركة لا يزال بطيئاً ومحفوفاً بالمخاطر في الكثير من الأقطار. وفي غياب مؤسسات قوية وشفافة، تبرز مشكلات أخرى مثل:
* المركزية المفرطة للسلطة: حيث تتراكم القرارات والموارد في يد النخبة الحاكمة، مما يحد من فعالية الحكم المحلي والمشاركة الشعبية.
* التحديات الاقتصادية والاجتماعية: ترتبط الحياة السياسية ارتباطاً وثيقاً بالواقع الاقتصادي. فالبطالة المرتفعة بين الشباب، وضعف البنية التحتية، وقضايا العدالة الاجتماعية تشكل وقوداً للاحتجاجات وأسباباً رئيسية لعدم الاستقرار السياسي.
* التدخلات الإقليمية والدولية: المنطقة العربية لا تزال ساحة لتنافس القوى الكبرى والإقليمية، مما يزيد من تعقيد النزاعات الداخلية ويعيق الوصول إلى حلول سياسية وطنية مستدامة.
* التحول الرقمي وتأثيره على المشاركة
مع تزايد انتشار وسائل التواصل الاجتماعي والتقنيات الرقمية، ظهرت أدوات جديدة للتعبير والمشاركة السياسية. هذه الأدوات كسرت احتكار الحكومات لوسائل الإعلام، وأتاحت للشباب والأفراد مساحة لمناقشة القضايا العامة وتنظيم الحركات الاجتماعية.
ومع ذلك، هذا التحول ليس بلا ثمن. فقد أدى الانتشار غير المنضبط للمعلومات إلى تحديات جديدة، أبرزها انتشار خطاب الكراهية، والأخبار الزائفة (Fake News)، بالإضافة إلى استخدام هذه الأدوات أحياناً في التأثير على الرأي العام بطرق غير شفافة. يفرض هذا الواقع ضرورة ملحة لوضع أطر تنظيمية توازن بين حرية التعبير والحاجة إلى استقرار المجتمع.
* تطلعات نحو المستقبل: فرص الإصلاح
رغم الصورة المعقدة، إلا أن هناك مساحات متنامية للإصلاح والتغيير الإيجابي في الحياة السياسية العربية. فقد أدركت العديد من الحكومات أن الاستثمار في الإنسان وتعزيز الحوكمة الرشيدة هو الطريق الوحيد للاستدامة.
* برامج الإصلاح الاقتصادي: تسعى دول عديدة لتبني رؤى اقتصادية حديثة تهدف إلى تنويع مصادر الدخل، تقليل الاعتماد على النفط، وتمكين القطاع الخاص والشباب. هذا التغيير الاقتصادي يمكن أن يخفف من الضغوط الاجتماعية على الأنظمة السياسية.
* تمكين الشباب والمرأة: تزداد نسبة مشاركة الشباب والمرأة في مواقع صنع القرار والعمل السياسي، مما يعد مؤشراً صحياً لتجديد النخب السياسية وإدخال أفكار جديدة أكثر ارتباطاً بتطلعات الأجيال الصاعدة.
* دور المجتمع المدني: يلعب المجتمع المدني دوراً حيوياً في الضغط من أجل الشفافية والمساءلة، والمساهمة في صياغة السياسات العامة، خاصة فيما يتعلق بالتعليم، الصحة، وحقوق الإنسان.
في الختام، تظل الحياة السياسية في الدول العربية في حالة تطور مستمر. إن التحدي الحقيقي يكمن في قدرة النخب السياسية والمجتمعات على إيجاد صيغة توازُن وطنية تحقق التنمية الاقتصادية، تضمن المشاركة السياسية الواسعة، وتحافظ على الاستقرار الاجتماعي. فالمستقبل السياسي للمنطقة لن يُبنى بالحلول المستوردة، بل عبر تفعيل الإرادة الوطنية للإصلاح الشامل والعميق.

Exit mobile version