Site icon جريدة الدولة الآن

لعبة المراحل: كيف تُدار السياسة في عالم مضطرب؟

 

بقلم عماد ذكى

عند التمعّن في المشهد السياسي خلال العقدين الأخيرين وربط الأحداث ببعضها ندرك أنّ ما يجري ليس عشوائيًا ولا وليد اللحظة بل هو نتاج لعبة متقنة تُدار بعقول صبورة وطامحة تمتلك من التخطيط ما يستحق التأمل حتى لو كنا جميعًا من المتضررين من نتائجها.

مراحل تقودها عقول مختلفة

السياسة اليوم أشبه بلعبة واحدة مقسّمة إلى مراحل متتابعة لكل مرحلة قادتها ومهامها وليس مطلوبًا من كل قائد إنهاء خطّة كاملة بل إتمام جزءه بدقّة.
النجاح هنا ليس في النهاية الشاملة بل في إتقان تنفيذ المرحلة المحددة.
أما المرحلة الأخيرة من هذه اللعبة فقد لا نراها نحن وربما تكتمل بعد عقود أو في زمن آخر.

تشكيل الفكر البداية الخفية

المشهد يبدأ من أبعد نقطة يمكن أن يتخيّلها العقل البسيط: صناعة تفسيرات جديدة للأديان وبناء رجال دين يتحدثون بلسان أصحاب المصالح ويخدمون مستقبلًا مرسومًا.
طوائف، جماعات، تنظيمات تُعاد صياغتها لتنتج معتقدات هجينة تُحرّك الفتنة عند الطلب وتزرع التناقض في الوعي الجمعي.

تفكيك الداخل أخطر الأسلحة

قبل سقوط الدول يبدأ التآكل من الداخل:
• تغيير الثقافات والذوق العام.
• بثّ تمرد بلا فهم.
• نشر عدم رضا بلا تحليل أو منطق.

وحين يفقد الناس بوصلتهم الفكرية تصبح السيطرة على العقول هي السلاح الأقوى لا الجيوش.
يصبح من السهل قلب الحقائق حتى يظن الناس أن الباطل حق وأن الحق باطل.

السقوط يبدأ قبل لحظة السقوط

الدول لا تنهار فجأة. سقوطها يبدأ منذ اللحظة التي تنشغل فيها الشعوب عن التفكير أو حين تُدار مجتمعاتها من خلف الستار بنوايا ليست بريئة. وكلما عدنا إلى الوراء وتفحصّنا المشهد سنكتشف أن العلامات كانت واضحة لكننا كنا عن رؤيتها غافلين.

هؤلاء الذين يديرون اللعبة لا يستعجلون النتائج. لديهم يقين أو هكذا يظنون بخطّة مخفية يعرفونها هم وحدهم.
وما نحن إلا خصم مهزوم لأننا وقعنا في الفخ ورفضنا الاعتراف.

جنود المرحلة يحكمون باسم الحق

اليوم نرى جنودهم يقتربون من الحكم برضا الشعوب في صورة “مُنقذين” أو “مصلحين” أو “جنود الله”.
وستنجح التجربة إن تُركت دون وعي لتصل اللعبة إلى مراحلها الأخيرة: عالم واحد، فكرة واحدة، حكام لا ينتمون لوطن بل لمشروع أكبر يظنون أنه الحق المطلق.

مصر بين الصمود والوعي الناقص

مصر رغم كل التحديات ما زالت تصمد. قيادتها تقرأ المشهد وتدرك حجم اللعبة وتعقيداتها.
لكن المشكلة ليست في الدولة بل في بعض أبناء الشعب ممن يبحثون فقط عمّا يشبع احتياجاتهم دون استعداد لفهم ما يُحاك أو الدخول في حوار يعمّق الوعي.

المشهد خطير واليقظة ضرورة

العالم من حولنا يتداعى. دول تقسّم نفسها بيدها وشعوب تهجر أوطانها رغم الصمود الظاهري.
الخطر ليس في العدو الخارجي بل في أولئك الذين يعيشون بيننا بوجوه شاحبة ونوايا مريبة.

في النهاية نحن أمام مشهد عالمي شديد التعقيد يحتاج إلى وعي ويقظة لا إلى ردود فعل غاضبة أو مواقف لحظية.
فاللعبة مستمرة والمرحلة الحالية لا تقل خطورة عن سابقاتها.

Exit mobile version