Site icon جريدة الدولة الآن

” براءة تختفي وسط عصر يغرس الدمار “

بقلم / هدير الحسيني
الطفولة أصبحت كلمة ليست في معانيها البراءة والحنونة ، ونسأل أنفسنا كثيراً أين ذهبت ولماذا اختفت من حولنا ؟ ، أصبحنا لا نرى الطفل طفلاً الطفل الذي من المفترض أن نرى فيه البراءة والوداعة ، الطفل الذي من المفترض أن نرى فيه العقل الصافي الهادي الخالي من كل المغريات والمشتات التي أصبحت تُحيط بهِ من كل الإتجاهات ولا يدرى أين سيستقر وماذا سيفهم وما الأساسيات التي تُنشئها فيهِ ، فهؤلاء الأطفال ليس هم المذنبون في الخطايا التي يرتكبوها في حق أنفسهم ، بل نحن المذنبون حقاً لأننا سمحنا لهم يتعايشون مع العصر بكل ما فيهِ وتركناهم فريسة لعصر يملؤه أشباح تدمرهم وتقتل طفولتهم وتنتزع براءتهم ، فنحن الأن نرى الكثير من الأطفال لا يبدعون أطفال غير متذوقون لأشكال الفن فنحن الذي نشوه أطفالنا لأننا نسمح لهم يسمعون نوع من الأغاني لا تُليق بسنهم لا تُليق بتشكيل عقول تدرى ماذا تختار ولماذا تختار هذا ، نوع يُشكل قلوب لا تدرى كيف تتذوق وتشعُر وتُحس فمن أسوء أنواع الأغاني بل الشبح الأول الذي يفترس هؤلاء الأطفال وينهش في براءتهم هي الأغاني الشعبية فأصبحوا يرددون كلماتها بحركات نستغرب فيها كيف هذا يكون طفلاً بريئاً ونقياً ! .
وأيضاً من الأشباح التي تفترسهم وتسببت في امتصاص جمالهم ومحاسنهم هي التكنولوجيا وما أدراك ما تفعله التكنولوجيا في براءة وحنان الأطفال ، فقد أصبح من الطبيعي أن الطفل يحمل في يديهِ جوالاً عليهِ أحدث الإمكانيات والوسائل مع العلم أن الطفل لم يبلغ من العمر ثلاث سنوات ولكن لا بد أن يكون مثله مثل كل الأولاد لكي لا يشعُر بالنقص والحرمان ، ولكننا في الحقيقة نحرمهم من أهم شئ يجب أن نوفرها لهم وبكثرة وهي الحفاظ علي براءتهم وحنانهم ولكن كيف أن نُحافظ علي أهم شئ في طفولتهم ونحن تاركين في أيديهم أسهل وأخطر وسيلة تستطيع أن تُدمرهم بكل ما تحملها الكلمة من معني ، فالتكنولوجيا لا تُكن تقنية بالمعني الوخيم بل هي فعلا مدمرة لعقل الطفل المسكين فأنهم من خلالها يعرفون أشياء أكبر بكثير من سنهم ، من خلالها تُدمر فيهم حنانهم وبراءتهم لأنها مليئة بألعاب تبث العنف والتدمير والتخريب مليئة بألعاب تُفسد أخلاقهم ومعتقداتهم والأدهي والأخطر إذا كان الطفل يُتابع مواقع وصفحات ونحن باعدين كل البعد عن أبنائنا ولا ندرى ماذا يفعلون بهذة الوسائل اللعينة ، وقد أصبح الطفل يتحدث مع أشخاصاً لا يعرفهم أشخاص في عالم إفتراضي ولكن يجدهم يسمعون له ويفهمونه.
وكثيراً من الأمهات نجدهم يشتكون أن طفلي عدوانى للغاية وتتسائل لماذا ؟ ولكن ماذا تنتظر بعد أن تتركه بالساعات أمام شبح آخر وهو التلفاز فيقضي الآبن يُشاهد أفلام كارتون التي تُحث علي العنف والتدمير لأن هذة تكون صورة البطل الذي يرغب الطفل أن يكون مثله ، ولكن إذا افترضنا أننا تحدثنا وأقنعنا الطفل بأن هذة الشخصيات التي يراها في هذة الأفلام ليست حقيقية في الحياة ، فكيف نستطيع إقناعه وهو يُشاهد إنسان حقيقي يُمثل فيلم يُبين فيه أن صورة الرجل والشجاع هو الذي يؤخذ حقه بالعنف والبلطجة ، ويقولون على أنفسهم أنهم نمبر وان ومافيا ، فكيف بعد كل هذة الأشباح بل يعيشون مع أشباح أكثر بكثير من هؤلاء التي تحدثنا عنهم ننتظر منهم أنهم يتحلون بالبراءة والحنان يتحلون بالوداعة والإحسان ماذا ننتظر من هؤلاء الأطفال بل الذين أشبه بالرجال وليت يكونوا رجالاً صالحين مثقفين ، بل ومع الأسف يشبهون رجال عصابة ومؤامرات يسرقون منهم كل الإبداعات التي بداخلهم.
فلماذا اختفت طفولتنا لماذا اختفت براءتنا ؟ ونحن نتعايش مع هذا الأمر ولا نلتفت ونضعه في الحُسبان ، بالتأكيد أن هذا الموضوع لا يتلخص في مقالات بل قد يحتاج لمجلدات ، ولكى نكون واضحين أنه في الحقيقة يحتاج لقلوب ترى وتشعُر بخطورة الحال الذي أصبح عليهِ الكثير من الأطفال وهذا الخطر نراه في طريقة كلامهم وأسلوبهم وأفعالهم فيجب علينا أن نبحث في الأمر جيداً ونحاول جاهدين وضع حلول فعالة لكي نُحافظ علي الطفولة ببراءتها وجمالها الحقيقى ونرى هذا الجمال في أفعالهم ونظراتهم ومشاعرهم النقية ، ونبني أجيال يتحلون بالذكاء والفطنة ويتميزون بصفات القيادة والبراعة والرجولة الحقيقية مثل ما كان (أسامة بن زيد) أصغر قائد في جيش النبي (صلي الله عليه وسلم ) فالنبي ولاه قيادة الجيش وهو عمره لم يتجاوز العشرين علي الرغم أن الجيش كان فيهِ كبار الصحابة ومنهم سيدنا (عمر بن الخطاب ) وسيدنا (أبو بكر الصديق ) رضي الله عنهما فلابد أن نتخذ من موقف النبي هذا عبرة وقدوة وهو يجب علينا أن نهتم جيداً ببناء أجيال تستطيع تحمُل المسئولية وتتحلي بالهمة ، هذا لا يُمانع أن يعيشوا طفولتهم وعصرهم ولكن بالشكل الذي يُليق بمعني كلمة الطفولة .
فالأطفال هم الملاذ الآمن الذي نحتمي ونشعُر فيه بالحب والطمأنينة والبراءة عندما تُحاصرنا العواصف والغيوم تُحاصرنا حياة مليئة بالهموم فنلجأ لهم ونحتمي فيهم لكي نُكمل الحياة رغم أناساً بلا شعور .
فحافظوا على هذا الملاذ إلا ونُصبح نعيشُ في عصر بلا إحساس .

Exit mobile version