كانت سوريا، التي لطالما عُرفت بتاريخها العريق ومكانتها المحورية في المنطقة، مسرحًا لأحداث مأساوية هزت العالم على مدار السنوات الماضية، حيث بدأت القصة عام “2011” مع اندلاع مظاهرات سلمية تطالب بالإصلاح والعدالة، لكنها سرعان ما تحولت إلى صراع دموي شمل أطرافًا محلية وإقليمية ودولية، الحرب التي استمرت لأكثر من عقد ألحقت دمارًا واسعًا بالبلاد، وأثرت في حياة الملايين من السوريين، بين قتيل ومشرد ولاجئ.
اليوم، ومع التطورات المفاجئة التي أدت إلى انهيار نظام “بشار الأسد” خلال أيام قليلة، تجد سوريا نفسها على مفترق طرق جديد، كما أن سقوط النظام بعد “14” عامًا من الحكم يثير تساؤلات عميقة حول مستقبل البلاد وشعبها، ومدى قدرة السوريين على بناء وطن جديد يعيد لهم الأمل بعد سنوات من الألم والمعاناة.
نظام “بشار الأسد” هو النظام الحاكم في سوريا منذ عام “2000” عندما تولى “بشار الأسد” الحكم خلفًا لوالده “حافظ الأسد”، يعتمد هذا النظام على حزب البعث العربي الاشتراكي كحزب حاكم، وتحالف قوي مع الجيش وأجهزة الأمن، بالإضافة إلى سياسات مركزية سيطرت على مختلف القطاعات، ارتكزت السلطة على الولاء العائلي والطائفي والسيطرة المطلقة على الحياة السياسية والاقتصادية، مع تقييد الحريات المدنية وتهميش المعارضة.
بدأت الحرب في سوريا عام “2011” عندما خرجت مظاهرات شعبية في مدينة درعا احتجاجًا على قمع الأمن السوري لأطفال كتبوا شعارات مناهضة للنظام، سرعان ما امتدت الاحتجاجات إلى باقي المدن السورية، مطالبة بالإصلاح السياسي ورفع القبضة الأمنية، ومع تصاعد القمع من قبل السلطات، تحولت هذه الاحتجاجات إلى صراع مسلح بين النظام والفصائل المعارضة، لتدخل البلاد في حرب مدمرة.
خلال السنوات الأولى، سيطرت جماعات المعارضة على مساحات واسعة من البلاد، وظهرت جماعات متطرفة مثل تنظيم داعش، مما زاد من تعقيد المشهد، وذلك بدعم روسيا وإيران، تمكن النظام من استعادة السيطرة تدريجيًا على معظم المناطق، بينما ظلت أجزاء من البلاد تحت سيطرة المعارضة أو القوات الكردية المدعومة من التحالف الدولي.
وفي الأيام “العشرة” الأخيرة، شهدت سوريا تطورات متسارعة وغير متوقعة أدت إلى انهيار النظام، المظاهرات الشعبية عادت بقوة وسط أزمة اقتصادية خانقة، وترافقت مع انشقاقات في صفوف الجيش والأجهزة الأمنية، كما تراجعت قدرة النظام على الصمود بعد تخلي حلفائه عنه، مما أدى إلى اقتحام القصر الرئاسي وهروب الرئيس “بشار الأسد” إلى جهة مجهولة، فسقوط نظام “بشار الأسد” في ديسمبر “2024” كان نتيجة تراكم سنوات من التوترات الداخلية والخارجية التي بلغت ذروتها خلال الأيام “العشرة” الأخيرة.
إن سقوط النظام يمثل نهاية فصل طويل من الصراع، ويفتح الباب أمام مرحلة جديدة مليئة بالتحديات لإعادة بناء البلاد وتحقيق الاستقرار، كما أن تفاصيل المرحلة المقبلة لا تزال غامضة، لكن السوريين يأملون في تحقيق العدالة والمصالحة الوطنية بعد سنوات من الحرب والمعاناة.
في الداخل، احتفل السوريون بهذا الحدث التاريخي، معبرين عن فرحتهم بما وصفوه بنهاية عهد الظلم، حيث أن المظاهرات والاحتفالات عمت شوارع دمشق ومدن أخرى، وسط دعوات لإطلاق عملية سياسية شاملة تضمن استقرار البلاد وتحقق العدالة الانتقالية.
كما وجه السوريون رسالة إلى الشعب المصري قائلين: “نحن في سوريا، وبعد سنوات من المعاناة والصمود، نستلهم من عزيمتكم وتجربتكم في مواجهة الصعاب، ونعمل بكل إخلاص لنكون على قدر هذا التاريخ الذي يجمعنا، إن يدنا ممدودة بالسلام والعمل المشترك، وقلوبنا مفتوحة لكل ما يحقق الخير لشعبينا وللأمة العربية جمعاء.