الطبيب سمعة ومهارة، فيختار المريض الطبيب الذي سيرتاح عنده ويتفهم خوفه، والأهم من كل هذا يحفظ سره من دون حكم، فما بال هؤلاء الأطباء الذين يسخروا من مصاب مرضاهم!
عند دخول شخص كلية الطب يتعلم “ثلاثة” أشياء أساسين وهم المعلومات والمهارة والأسلوب، وذلك بحسب ما صرحته الدكتورة “جيداء مكي” أستاذة المخ والأعصاب بكلية الطب بجامعة الإسكندرية في مقطع فيديو لها على مواقع التواصل الاجتماعي عن أخلاقيات المهن الطبية، مركزة على الأسلوب حيث أنه أساس عمل الطبيب فقد يكون ماهر في عمله لكن عنده من الأسلوب ما ينفر المرضى منه، وأن أول قاعدة في أخلاقيات المهنة حفظ أسرار المرضى.
وكأي شئ في هذه الحياة نحدد الإطار الصحيح الذي يلزم اتباعه فيه، لكن يظهر من يتجاهل هذا الإطار وينحرف عنه، فيظهر بعض الأطباء من يتحدث في شئون مرضاهم تحت مسميات كثيرة كالتعجب أو السخرية أو التوعية، متابعة الدكتورة “جيداء مكي” حديثها (يقول الناس عني أني كالقبر فالخبر الذي يصل لي يقف عندي ولا يخرج).
من جانبه، ظهرت وقائع كثيرة تؤكد اختلال العلاقة بين الطبيب ومرضاه، فانتشر في الأونة الأخيرة على مواقع التواصل الاجتماعي بث مباشر قامت ببثه دكتورة تدعى “وسام شعيب” دكتورة نساء وتوليد بكفر الدوار في محافظة البحيرة، يتضمن حديثها عن بعض الحالات لفتيات حوامل مشكوك في نسب أطفالهن، معربة عن استيائها الشديد من انتشار مثل هذه الحالات بكثرة، وأن سبب ذكرها لتلك الحالات وعرضها على الناس هو التوعية.
عقب بث الفيديو لاقت موجة من الانتقادات الواسعة على مواقع التواصل الاجتماعي، وذلك بسبب طريقة الدكتورة في العرض حيث تخلل حديثها ألفاظ بذيئة لا تليق أن تصدر من شخص مثلها، كما أنها وجهت اتهامات صريحة للسيدات المصريات قائلة (يلزم أن يذهب كل رجل لعمل تحليل DNA لأبناءه)، ملقية اللوم على التربية الحديثة أنها سبب في تفشي وانتشار حالات السفاح في المجتمع.
خلف ذلك ظهور بعض المؤيدين لحديثها قائلين أنها كشفت جزء بسيط جدًا من الواقع السائد في المجتمع، وأنها لم تفصح أسرار المرضى كما يدعي البعض، فهي عرضت الحالات بدون ذكر اسماء أو تفاصيل شخصية عنهم، مصدرة الأجهزة الأمنية قرار بالقبض عليها بتهمة تكدير السلم العام وفضح أسرار المرضى، وجاري التحقيق في الواقعة.
هذه الواقعة ليست الأولى من نوعها فهناك الكثير من مثيلاتها، حتى لو لم تتحول لرأي عام كتلك واقتصر إخراج السر مع المجتمع المحيط، مستكملة أستاذة المخ والأعصاب بكلية الطب حديثها في مقطع الفيديو، بقولها لا يصح على الطبيب أن يحكم على مريضه أخلاقيًا فهو ليس بضابط ولا وكيل نيابة ولا رجل دين، فمهما كانت الحالة يجب أن يساعدها ولا يهينها أو يعدل عليها، وإن أراد نصحها يكون بينه وبين الحالة وليس على العامة، فهذه وظيفة الطبيب وسيسأل عنها أمام الله.
في ذات السياق يتبين أن من واقع مهنة الطبيب أن يتعرض لكافة أنواع الناس باختلاف أفكارهم وثقافاتهم ومستواهم الأخلاقي والمادي، ومن واجبه أن يتعامل معهم جميعًا في نطاق تخصصه من دون أن يصدر أحكام ضدهم، أو يخرج أسرارهم تحت أي مسمى، أو يمتنع عن علاجهم من الأساس، حيث ورد في قانون العقوبات أن من اقتضت وظيفته ائتمانه على سر فأفشاه في غير الأحوال التي يلزمه القانون بتبليغها، يعاقب بالحبس “ستة” أشهر وغرامة لا تتعدى “500” جنيه، ومن هدد بإفشاء السر يعاقب بالحبس “خمسة” أعوام، وهذا من صميم القسم الذي أقسمه أمام الله.