إن الأمم الأخلاق ما بقيت فإن هم ذهبت أخلاقهم ذهبوا، بهذا البيت من الشعر الذي قاله “شوقي” عن الأخلاق وأهميتها بالنسبة للعزة والكرامة والشرف، التي لا تنالها أمة إلا بالأخلاق العظيمة.
وانطلاقا من قول الرسول صلى الله عليه وسلم “خيركم في الجاهلية، خيركم في الإسلام” الذي حسم الأمر في الحديث عن الأخلاق بهذا الحديث الشريف وعنى بها، أن خير المؤمنين بدين الله من كان خيرهم خُلقا ولو كان كافرا به.
فمن لا خُلق له لا دين له، والمتأمل في حال مجتمعنا اليوم يدرك المعنى وراء هذه المقولة، ويدرك الطغيان على الدين، فغابت الأخلاق بصورة غير مسبوقة في تاريخ مصر، غاب الصدق والانتماء، وغاب الاحترام والأمانة والنظافة والآمان،وانعدم الضمير،وعمّ الفساد بكل صوره، وسادت الألفاظ السوقية والبلطجة.
بات الأمر فجعة محزنة ومؤلمة، ومخيفة أيضا، إن الأمم الأخلاق ما بقيت إن هم ذهبت أخلاقهم ذهبوا، بات الأمر يبكي له القلب قبل العين هل نحن في نهاية العالم؟ أهي علامات يوم القيامة؟
لن أُعدد لكم كثيرا ولكنها نماذج محزنة ومفجعة رأيناها جميعًا على مدار الشهور الماضية، ولكن سأذكركم ببعضها علّها تُحيي ضمائر المستحلين دماء البشر، دعوني أذكركم بالطفل الرضيع الذي مات على يد أمه مصدر الأمان له، فقد باتت تتردد على مسامعنا الكثير من الوقائع التي تأتي من الأقربين.
حادثة مقتل التاجر الذي قُتل على يد صديقه بشبرا الخيمة، وكان جُرمه الوحيد أنه تدخل لتهدئة الأمر، وأسفًا أم تقتل ابنها ذو العامين لتنفرد بعشيقها، ناهيكم عن قضايا السرقة والنهب والرشوة، جميعها وقائع يُندي لها الجبين.
نعم، فقد خُلقت الجريمة مع الانسان، حين قتل قابيل هابيل إفسادا في الأرض، كما أن الجريمة موجودة في جميع الأوطان، ولكننا يُطلق علينا دائما أننا شعب الشهامة والرجولة والرحمة، والجدعنة، كل هذه الصفات التي أصبحت لا تتماشى مع ما نراه اليوم في المجتمع، وعلاجها الوقفة ومواجهة أنفسنا بما آلت إليه الأمور لتغييره.
وانطلاقًا من تلك النقطة السوداء؛ فخطابي لشيوخ الأزهر وأصحاب العمائم والقساوسة والراهبات والوعاظ، وخُدام الكنائس، يا كِرام ما من أمة اشتكت من غياب الأخلاق إلا هلكو.
يا كِرام لا دين لمن لا خُلق له، وعلينا جميعًا أن نعي جيدا تلك المقولة ونتأملها، فلترفعوا راية الأخلاق في المساجد والكنائس وندواتكم ومدارسكم، واتركوا الحديث عن الدين فقط واجعلو شغلكم الشاغل التنبيه على الأخلاق وإحياء الضمير والصفات التي يجب التحلي بها، علموا الناس المعنى الحقيقي للتدين، دينك لله وإنما أخلاقك للناس، وخُلقك أكبر سفير لما تؤمن به، والأسرة أيضا علموا أولادكم المعنى الحقيقي للدين والأخلاق.
علموهم المعنى الحقيقي لانتهاك حُرمات الله من القتل والسرقة، وكيفية اتباع الله ورسله حق الاتباع والتحلي بصفاتهم الحميدة، واحترام القانون حتى إشارة المرور، إن كان الإيمان بضعا وستين شعبة فأدناها النظافة والنظافة شعبة من شعب الإيمان، وكذلك رفع الأذى عن الطريق، والحياء من أهم شعب الإيمان، فإذا لم تستحي فافعل ما شئت!
فما كانت الأخلاق إلا لتنجح العبادة، فكيف تكون العبادة صحيحة ولا يوجد أخلاق؟ وأن الله إن كان يغفر ويسامح في حقه، فلا يسامح في حقوق العباد، وأخيرا اذكركم ببقول”شوقي” (إنما الأمم الأخلاق ما بقيت، فإن هم ذهبت أخلاقهم ذهبوا).