احترافية الكذب عند الأطفال ومهارة الآباء للتعامل مع كذب أولادهم
في الأسرة والمجتمع
833 زيارة
كتبت : أسماء البردينى
يمتاز أطفالنا بطرقهم الخاصة في معالجة مشاكلهم وردود أفعالهم، ويلجأون ويجربون كل الطرق المكشوفة وغير المكشوفة للحصول على ما يريدون ، وللهروب من مواجهة مشكلاتهم وأولى هذه الوسائل والطرق “الكذب”. وهو الذي ينشأ صدفة ويتدرج الأطفال في استعماله ليصبح عادة بغيضة لنا جميعاً، لا نريد أبناءنا أن يتعاملوا بها، لذلك علينا أن نتولاّها بالعناية الشديدة والتربية والمتابعة.
والطفل في سنوات عمره الأولى تتشكل بداخله القيم. فهو يُعلَم الصدق ولا يولد صادقاً٬ منذ أن يعي الطفل ما حوله ويبدأ في الكلام وحتى سن السادسة تقريباً لا يُفرق الطفل بين الحقيقة والخيال٬ ويكون عقله خصباً بالأحداث والقصص الخيالية وربما الأصدقاء الخياليين أيضاً. وعندما يقوم الأطفال بخلق قصص خيالية أو بالمبالغة بتفاصيل شيء ما، فإنهم على الأغلب يعبّرون عما يتمنّون حدوثه، لذلك سيكون من الخطأ الفادح أن يعاقبوا على أنهم كاذبين. لذا إياك أن تعامل طفلك على أنه كاذب في مثل هذا الموقف، وكموقف بديل، ستكون أمام خيارين أمام طفلك عندما يبدأ بخلق هذه القصص: تكتفين بالصمت إزاء ما قال ، تشاركين بعبارات تسكب صبغة الحقيقة على ما قال.
بعد سن السادسة تقريباً٬ يبدأ الطفل بالتمييز بين الخيال والحقيقة ويقل إصراره على التمسك بالقصص الخيالية على أنها الحقيقة. ويعي الطفل أيضاً أن بعض تصرفاته ستسبب خيبة أمل لوالديه أو ستسبب غضباً وعقاباً منهما. ويكون أيضاً قد نما عنده الإحساس بالذنب نتيجة ارتكاب الأخطاء. وفي حوالي سن السابعة أو الثامنة يدرك تماماً الفرق بين الحقيقة والخيال ويدرك أيضاً أن كذبه في بعض المواقف قد يغيّر أمراً جسيماً والطفل بالمقابل يصبح معتمداً عليه للبحث عن حقيقة ما.
وهنا وفي هذا السن يبدأ دور التربية والتوجيه، وما يحدث غالباً أن الآباء -وبسبب حماسهم في البداية- يرفضون كذب أطفالهم الخيالي في العمر المبكر وهو الذي لا يعتبر كذباً فعلياً ويقومون بتأنيب أطفالهم وتأديبهم عليه، وهو عمل في الوقت الخاطئ وجهد في الوقت الضائع، وبالتالي هو غير مجدٍ. وبعد مرور عامين أو ثلاثة على ذلك يفقدون الأمل في علاج هذا الأمر الذي توهّموا أنه مشكلة، فينسحبون في الوقت الذي يكون التدخل فيه واجباً!
بعض الآراء التربوية في هذا المجال تشير إلى أنه من القواعد المتبعة في مكافحة الكذب ألا نترك الطفل يمرر كذبته على الأهل والمدرسة، لأن ذلك يشجعه ويعطيه الثقة بقدرته على ممارسة الكذب دائمًا، فبمجرد إشعارنا له أننا كشفنا كذبه فسوف يحجم في المرات التالية عن الكذب. ويمكن معالجة الكذب بالعدالة والمساواة بين الإخوة، وتنمية ثقة الطفل بنفسه، والمعالجة النفسية للمصابين بالعقد، والتزود بالقيم الدينية، وإشباع حاجات الطفل وتوجيه سلوكه نحو الأمور التي تقع في دائرة قدراته الطبيعية، مما يجعله يشعر بالسعادة والراحة، عكس تكليف الطفل بأعمال تفوق قدراته مما يؤدي إلى الفشل والإحباط والكذب. أما الأطفال الذين يميلون إلى سرد قصص غير واقعية فتأتي معالجتهم عن طريق إقناعهم بأننا نرى في قصصهم خيالهم الواسع، ولكننا بالطبع لا نفكر في قبولها أو تصديقها لحقيقة واقعية، وذلك أفضل من العقاب البدني أو السخرية. وتعليم الطفل أن الصدق ينفعه، ويخفف من وطأة العقاب في حال ارتكب الخطأ، والكذب يؤدي به إلى فقدان الثقة بالنفس والحرمان وفقدان احترام الآخرين له.
فدورنا يجب أن يكون إيجابيًا في حل مشكلات أطفالنا عن طريق التفكير العلمي الموضوعي السليم، فلجوء الطفل إلى الكذب إما لأن يحصل على ما يريد ،او ينجو مما فعله بوسيلة كانت في الماضي القريب براءة أطفال ودليل موهبة، حولناها -نحن الناضجين- إلى سلوك خاطئ عندما تركنا أطفالنا يندمجون في خيالات وأحلام بمفردهم من دون مشاركة أو تنمية أو تنبيه، إذ أدى الخيال بهم إلى تقمص دور أبطال الخيال في الأفلام أو البرامج. فما علينا إلا أن نلازم أطفالنا في مشاعرهم وأحاسيسهم. وإن الخيال هو إحدى ثمار مرحلة الطفولة كما أحلام اليقظة في مرحلة الشباب، والتعامل معهم بالمشاركة والإعجاب والثناء بجانب جعل أنفسنا -نحن الكبار- قدوة لهم ومثالًا في الصدق بالوعود والالتزام بالكلام معهم، وذلك بأن نعودهم على التخلق بالقيم الدينية والحياتية. وأن نلجأ إلى المتخصصين عندما يجنح الخيال ويتحول من تخلق إلى اختلاق قد يؤدي إلى أضرار جسدية ونفسية.
التعامل السليم كذب الأبناء مهارة الآباء 2018-12-17