تأثير الدراما الحالية في انتشار الجريمة والظواهر السيئة
في الأسرة والمجتمع
1,344 زيارة
كتبت / هدير الحسيني
من المفترض أن الدراما تهدف لتوصيل قيمة وتوصيل رسالة لأفراد المجتمع ، وأيضاً لا بد أن تقوم بالنقد البناء لما نراه في المجتمع من مساوئ وهذا يتم بإصلاح ما أفسده البشر عن طريق مسلسلاً درامياً لمناقشة القضايا الإجتماعية والعمل علي حلولاً لها ، لكن مع الأسف أصبحت الدراما الأن هي التى تُساعد علي فقد القيم وفقد الهوية والرسالة والأكثر من هذا ساعدت في انتشار الجرائم والظواهر السيئة بكل أنواعها وبأشكال لا يتخيلها بشر فكثيراً ما نسمع الأن أب يقتل أبنائه وزوج يقتل زوجته وإعتداءات على الفتيات والأطفال، وشباباً يعتقدون بأن الحق وإمتلاك المال لا يؤخذ الإ بمخالفة القوانين وبالأساليب الوحشية.
كما نجد أطفالاً ينطقون ألفاظ سيئة ويقلدون طريقة كلام إحدى الممثلين ويتخذونه قدوةً لهم في الشجاعة المجرمة والوحشية ،وآلم من أن يكون هؤلاء الممثلين قدوة لأطفالنا ، فحينما يكون ممثل كهذا قدوة لأجيال المستقبل فكيف يكون مستقبل الأمة بعد سنوات؟ إنني لا أقول بأن الدراما الحالية هي السبب الوحيد في كل ما نراه ونشاهده في مجتمعنا من مساوئ ولكني أؤكد بأن كل ما تقوم بها الدراما الحالية لها تأثيراً قوياً في كل ما نسمعه الأن من جرائم وظواهر سيئة ، وكثيراً ما نسمع في وسائل الإعلام بأن هذا العمل الدرامي يُجسد واقع مُجتمعنا والأعجب من هذا أنهم يقولون بأن هذا فن وإبداع وهو لا يمس الإبداع في شئ ، ما الإبداع في أننا نري أب يتسبب في قتل إبنته لمصلحته مع أحد ذو المناصب والنفوذ؟ مثل ما كان في مسلسل (ظل الرئيس ) ، ما الإبداع فى أننا نرى زوج يقتل زوجته وآخر يقوم بتعنيفها ، ما الإبداع في إقامة مشاهد العنف والإثارة ومشاهد تخدش الحياء؟
وأيضاً ما القيمة التي تُغرزها الدراما بأنه عندما يفقد الشاب حلمه بسبب ظلم الدولة له وأخذ حقهِ في تحقيق حلمه يُغير قيمه ومبادئه ويتحول لشخص مجرم وفاسد ينتقم من مجتمعه وأخذ حقه بالعنف مثل ما كان في مسلسل (الأسطورة) ، ومع آخر الإبداعات بأن يقوم مسلسل يُطلق عليه مسلسلاً إجتماعياً وهو يُفسد كل القيم وعادات وتقاليد مُجتمعنا مثل ما وجدنا في مسلسل (سابع جار ) وما يصوره عن الحرية للفتيات، وأيضاً شوهت الدراما الحالية بأكملها صورة المرأة وكرامتها وحياءها ومشاعرها ، والسؤال هنا عندما يكون هذا فن وإبداع فلماذا تزداد الأمة سوءً من كل النواحى الإجتماعية والأخلاقية والنفسية والدينية لماذا أصبح البشر يتآكلون بعضهم البعض؟ و أصبحت القرابة تنقطع بسبب تفاهات ،لماذ أصبح الخوف يملأ قلوبنا ؟ وأصبحت الأسرة ينهار قيمُها ومبادئِها كما أننا نجد تزايد فى معدلات الطلاق وإنحدار الأخلاق ، ولماذا أصبح القتل والإنتقام أمراً سهلاً لدي أغلب البشر والكثير من أسئلة لماذا ؟ بالتأكيد أن السبب الأول فى كل هذا هو بُعدنا وعدم فهمنا الصحيح لديننا الإسلامي وسنة نبينا محمد (صلي الله عليه وسلم)، وأيضاً يرجع لما تقوم بها الدراما الحالية وتحريضها علي كل ما يُفسد أخلاقنا وقيمنا ومبادئِنا والأثم الآكبر هو تشويه الدراما صورة الدين الإسلامي وصورة المسلمين من إختلاط وعنف وعدم إنسانية وكأننا لا يحكمُنا شرع ودين ، وأكرر ثانياً بأنني لا أقول بأن الدراما الحالية هي السبب الوحيد في إنتشار كل هذة المساوئ في مجتمعنا، ولكن هناك الكثير من الدراسات تؤكد بأن ظاهرة تزايد معدلات العنف في الدراما تؤدي إلى إحداث تشوهات نفسية لدى الأطفال الصغار، وإلى إصابتهم بإضطرابات سلوكية وأيضاً تحدث تزايداً في النزعات السلوكية العنيفة لدى المراهقين والشباب، وهذا بسبب ميلهم إلى التقليد والمحاكاة ويؤيد ذلك العديد من الشواهد التي تربط بين التعرض لمشاهد العنف في الدراما، وكثير من الممارسات الإجرامية كحوادث «البلطجة» والسرقات ، وهذا يبين لنا إلي أى مدى تؤثر الدراما في نفوس الأطفال والشباب وقيمهم وأخلاقهم، لذلك علينا كآباء وأمهات مراقبة كل ما يشاهدونه أبناءنا وأيضاً نحرص علي أن نقوم بتوجيههم إلي مشاهدة البرامج المفيدة والهادفة ونقوم بإقناعهم بأن هذا أنفع لهم بكثير في كل النواحي الحياتية.
وبحسب ” نظرية التعلم من خلال الملاحظة”
أن الافتراض الأساسي لهذه النظرية أن الناس يمكنهم تعلم العنف من خلال ملاحظة العنف فيما تصوره وسائل الإعلام، وأن الناس أيضاً مكنهم تعديل سلوكياتهم في ضوء الشخصيات الشريرة التي تحفل بها وسائل الإعلام، و العنف في التليفزيون أو غيره من وسائل الإعلام يزيد من إحتمال العدوانية لدى المتلقين ليس فقط من خلال تزويدهم بفرص لتعلم العدوانية، ولكن أيضا من خلال تقديم شخصيات شريرة تقدم بدورها نماذج سلوكية للمشاهدين . ( باندورا و ولتر) 1963.
وعندما نقارن بين الدراما الحالية والدراما قديماً نجد النقيض في كل ما تقدمه الدراما حالياً والدراما قديماً ، وعلي الرغم من أن الدراما قديماً لا تكن بأكملها علي ما يرام من قيم وأخلاق ، ولكن وبحسب قانون البقاء للأصلح والبقاء للأقوى نجد في كثير من الأعمال الدرامية القديمة أن الإيجابيات تطغي علي السلبيات التي تتواجد فى نفس العمل الدرامي، فبذلك يتأثر الفرد بالكثير من الإيجابيات التي يراها فى العمل ويتجنب ولا يلتفت للسلبيات التى يجدها. ونتطرق لبعض أمثلة من الأعمال الدرامية القديمة التى أثرت في المجتمع والأسرة وأضافت لهم قيم ومبادئ يعيشون بها ونذكر منها المسلسل الإجتماعي والأسري ( عائلة ونيس ) والذى يؤكد علي أهمية تربية الأبناء علي القيم والمبادئ والأخلاق ونشأة أبناء أسوياء ليصبحون لهم أدوار فعالة فى المجتمع ويقومون بنهضته وأيضاً يتميز المسلسل بجانب من الكوميديا المحترمة.
كما نجد في مسلسل ( الشهد والدموع ) والذى يجسد مشكلة كبرى في الواقع تواجه كل العائلات ألا وهى مشكلة (الميراث) ومع أنه وبالأخص فى بداية الجزء الثاني من المسلسل يقوم على الإنتقام بسبب أخذ العم مال أبناء أخيه المتوفي وتكدير حياتهم وهذا بالتأكيد غرس في نفوسهم الكراهية والإنتقام منه ولكن بشكل غير مباشر فقاموا بالإنتقام من خلال التلاعب بمشاعر ابنته وهنا نجد السلبية فى هذا العمل، ولكن سرعان ما قاموا بتصليح هذا و أيضاً مسامحة بنت العم لهم ، و فى نهاية هذا العمل الدرامي يبين لنا سوء عاقبة الظلم والظالم فأن الله يمهل ولا يهمل، ونجد من الجانب الآخر إيجابيات هذا المسلسل الدرامي في تعليم التسامح والمودة التي من المفترض أن تكون بين العائلات ومهما كانت الإختلافات وندم وتوبة العم لما فعله فى حق أبناء أخيه.
كما نتطرق لمسلسل (عمر بن عبد العزيز ) إلى ما اشتهر به الخليفة الأموي من صلاح وعدل بين الناس، وما عرف بهِ من رشد وتقوى وكيفية حكم الدولة وتحقيق المساواة بين كل أفراد المجتمع كما أمر الله سبحانه وتعالي، وإتباعه لمنهج رسول الله في كيفية الحكم العادل للبلاد .
وأخيراً أحلم بأن يكون في هذا العصر فن يحثُنا للتمسك بمبادئ ديننا وسنة نبينا والإحتفاظ بقيمنا وأخلاقنا ، أحلم بفن يعلمُنا كيف نحقق أحلامنا كيف ننهض بأمتنا ، أحلم بفن يُبرز حضارتنا وثقافتنا وتاريخنا الحقيقي ، فن يبني إنساناً واعياً مثقفاً حالماً ومحتفظاً بكل ما أمر بهِ الله ورسولهِ، وهذا ليس بالمستحيل إذا أدركنا بأن الفن المحترم يُساعد في إرتقاء وتهذيب النفوس، وأيضاً إذا أدرك كل شخص في العمل الدرامي بأنه مُحاسب علي كلامه وأفعاله وكل ما يصوره ويجسده من خلال هذا العمل ، لذلك لابد أن تهتم الدولة جيداً والرقابة الفنية بكيفية تأثير العمل الدرامي على الأشخاص من كل النواحي لكي لا يُصيبنا الندم فيما نراه ونسمعه الأن في مجتمعنا من مساوئ.
2018-12-27