إلهام نابع من الأطفال..الدولة الآن في حوار خاص مع دكتور “أحمد الشناوي” عن مرض الشلل الدماغي
في تحقيقات وحوارات
53 زيارة
حوار: رحمة سيد
حينما يصبح الأمل هو القشة التي يتعلق بها الأطفال المصابون بالشلل الدماغي، يبرز دور العلاج الطبيعي كوسيلة لتمنحهم ذلك الأمل، وفي هذا لنا لقاء مع دكتور “أحمد الشناوي” استشاري بكلية العلاج الطبيعي جامعة القاهرة، ورئيس مجلس إدارة مركز (Be active) للعلاج الطبيعي والتأهيل، للحديث عن دور العلاج الطبيعي في تخفيف معاناة الأطفال وأسرهم.
بدأ الدكتور حديثه عن تعريف لمرض الشلل الدماغي، واصفًا إياه بأنه ليس شللًا بشكل كامل فالمشهور أن الشلل هو عدم القدرة عن الحركة، لكن في الشلل الدماغي يصاب جزء معين من الدماغ مما يؤثر على الخلايا المسؤولة على الجانب الحركي مع وجود آثار جانبية آخرى كتأثر التطور الذهني كالسمع أو البصر أو كلاهما معًا، وتختلف درجة اختلال الحركة بدرجة الإصابة فقد تؤثر على عضو واحد أو أكثر.
وعند سؤاله عن أسباب الشلل الدماغي تابع “الشناوي” حديثه بأنه ليس مرض معدي ولا ينتشر في الجسم، بل على حسب الإصابة والتي قد تحدث على “ثلاثة” مراحل، إما أثناء الحمل كعدم متابعة الأم مع دكتور نساء، أو إصابتها بمرض مزمن كالسكر، أو أخذها لدواء خاطئ وبعدم استشارة طبيب مما يؤثر على تطور خلايا المخ والأعصاب للطفل، أو أثناء الولادة بسبب تعسرها، أو نقص الأكسجين عند الطفل، أو مشكلة في التنفس أثناء الولادة، أو بلع جزء من السائل حوله، أو عدم صراخه عند الولادة، وقد تكون الإصابة بعد الولادة كسقوط الطفل على رأسه، وهذا المرض لا يصيب الأم بل قد يؤثر عليها بشكل آخر إن كانت المشكلة بسبب التغذية مثلاً.
وقد أشار دكتور “الشناوي” أن التصرف السليم عند شعور الأم بوجود الأعراض قبل الولادة كعدم شعورها بحركته أن تتوجه فورًا لطبيب النساء الخاص بها، أما بعد الولادة يكون هناك فحص للطفل للاطمئنان على حالته كليًا والنظر إن كان يحتاج دخول حضْانة أم لا، وإن ظهر أعراض بعد ذلك تتوجه للطبيب على الفور.
في سياق متصل أوضح الدكتور عن العلاج المناسب أن كل حالة يتحدد علاجها عن طريق التشخيص فيلزم المتابعه المستمرة وأخذ التطعيمات اللازمة في السنوات الأولى للطفل المخصصة من وزارة الصحة لمتابعة حالته ورصد أي عرض يدل على وجود المرض، فإن وُجد يتم توجيهه فورًا لدكتور المخ والأعصاب الذي يحدد سبب المشكلة هل شلل دماغي أم مشكله جينية؟، ومع الفحوصات والأشعة يظهر السبب، ومن بعدها يتم تحديد خطوط العلاج وهما خطين، الخط الأول وهو العلاج التحفظي والذي ينقسم إلى علاج دوائي مثل بعض الأدويه التي تنشط خلايا المخ والأعصاب مع العلاج الطبيعي والتغذيه السليمه للأم والطفل، والعلاج الطبيعي الذي يتم استخدام فيه بعض الأدوات المساعدة كالكراسي والجبائر والأطراف الصناعية في حالة وجود بتر.
استكمل دكتور “أحمد” حديثه عن العلاج ذاكرًا أن الخط الثاني للعلاج هو الذي يتم فيه الحقن ببعض المواد كالبوتوكس لتخفيف الشد في العضلات، أو عند وجود تشوهات في العظام وهذا بعد الاستمرار فترة في العلاج الطبيعي، متابعًا أن الخط الثالث للعلاج هو التدخلات الجراحية وذلك عند وجود تشوهات في العظام كالتواء كامل فيتم التدخل الجراحي لتطويل الأوتار.
كما أوضح أن الاكتشاف المبكر للمرض يساهم في تحسين مستوى التقدم الذهني والإدراكي في حالة خط العلاج التحفظي كالعلاج الطبيعي والدوائي، أما في بعض الجراحات يكون تأخيرها أفضل لنجاحها ليكون الطفل مؤهل للعملية، مشيرًا أن تحديد نسبة الشفاء للطفل المصاب يعتمد على درجة الإصابة بشكل عكسي، فإذا كانت درجة الإصابة للطفل شديدة تصل إلى “90”% من خلايا المخ مثلاً، تكون نسبة الشفاء عكسية أي قليلة جدًا تصل لـ “10”%، فهو لا يعتمد على مهارة الطبيب فحسب أو عدد ساعات التدريب وتمارين العلاج الطبيعي، بل يقف أيضًا على درجة الإصابة.
ومن جانب التطورات التكنولوجية نوه أنها ساهمت بشكل فعال في مجال العلاج الطبيعي في الجوانب التشخيصية والتقويمية، فعند استخدام بعض الأجهزة التي تُقَيم قوة العضلات وتمكن الطبيب من معرفة حالة عضلات الطفل من حيث القوة والضعف من دون ألم، خاصة أن الطفل غير قادر على التعبير عن حالته، وكجهاز قياس الأعصاب الذي كان في البداية عبارة عن إبرة أما الآن فهو لاصقة توضع مكان المكان المراد تشخصيه، وترصد الحالة بدون أي ألم.
أما عند سؤاله عن الجانب النفسي بالنسبة لمريض الشلل الدماغي فأكد الاستشاري أن أي مرض يمثل من “60”% إلى “70”% من العلاج، فمهم في مرض الشلل الدماغي نفسية الطفل والطبيب المعالج، ويلزم أن يُحسن الطبيب التعامل مع الجانب النفسي والسلوكي للأطفال المصابين، وأن يتحكم في انفعالاته، كما أن نفسية الأهل مهمة جدًا فيحتاجوا لدورات تدريبية وتأهيلية وإرشاد نفسي وأسري عن كيفيه التعامل مع الطفل، لأن سيكولوجيته (طبيعته) تختلف عن باقي الأطفال.
على صعيد متصل بَيّن دكتور “الشناوي” أن من التحديات التي تواجه الطفل وأسرته هي عدم وعي المجتمع بهذه الحالات وكيفية التصرف معها، فعند وصول الأطفال لمستوى ما في العلاج أوجه أهلهم بتمشيتهم كثيرًا في الشارع مما قد يعرضهم لمواقف كثيرة كأن ينظر الناس لهم بعطف أو شفقة والتي تؤثر بالسلب على نفسية الطفل وأهله، وقد حدث معي موقف يدل على ذلك فكنت أسير مع طفل يعالج عندي يبلغ “15” عام وهو من ذوي الهمم وكنت أدربه في الشارع، فجاءت سيدة وقامت باستيقافي وتريد اعطائي “100” جنيه كصدقة، فشرحت لها الموقف وأنه مريض عندي وأدربه، فتخيل لو هذا الموقف تعرضت له والدته أو أحد من عائلته ماذا سيكون شعورهم؟، فنحن نحتاج لثقافة التعامل مع المختلف فهم مميزين جدًا وأقوياء.
قد ذكر الدكتور حالة طفل كمثال ملهم للإرادة والنجاح، استطاع تخطي الصعوبات التي واجهته عند إصابته بالمرض وتخطى الأزمة مع عائلته، وهو شاب في الفرقة الثالثة بجامعة (MSA) تخصص تكنولوجي حاليًا، كان يعاني من شلل دماغي من نوع صعب وحركات لا إرادية، استلمت حالته وهو في عمر الـ”10″ سنوات، وبدأ يمشي وهو في الـ”12″ من العمر بعد بعض التدخلات الجراحية، والآن هو معتمد على نفسه اعتماد شبه كامل فهو قادر على قيادة السيارة بمفردة، كما أنه مغترب فهو يسكن في محافظة آخرى غير التي يدرس بها، فهو بالنسبة لي مصدر إلهام ونجاح كما أن أسرته ظلت بجانبه طول فترة علاجه ولم تتخلى عنه، وإلى الآن ما زال الشاب يأتي للمتابعة ويحضر العلاج المائي وبركوب الخيل، فمرضى الشلل الدماغي مميزون ويستطيعوا أن يكونوا أفرادًا ذا إنتاجية في المجتمع.
في الختام تطرق الدكتور “أحمد الشناوي” لرؤيته المستقبلية للعلاج الطبيعي بقوله (مصر لها ترتيب دولي وإقبال من جميع الدول، فيأتي لي أشخاص كثيرون للعلاج من جميع دول العالم العربي كفلسطين والأردون والعراق والإمارات وغيرها)، والآن نحتاج أن يكون لنا أساليبنا الخاصة التي تسجل باسم مصر، ومدرسة خاصة بنا يأتي الجميع من مختلف دول العالم للتعلم فيها، أعتقد أنه الشئ المتبقي للمجال، فنحن لدينا قامات في مجال العلاج الطبيعي في مصر، وأتمنى أن أكون من المساهمين في تحقيق ذلك.
2024-12-17