الأزهر الشريف القشة التي قسمت ظهر الحمير
في تحقيقات وحوارات
2,235 زيارة
بقلم:أحمد العش.
(زمن يمر وخطوة تتعثرُ..ومعالم تخفى وأخرى تظهرُ.. حرب مع الأيام تسقط خيلنا فيها وتبقى شامخاً يا أزهرُ) أبيات مُرَصَّعَةٌ بماء الذهب نُظِمَتْ بحروف من نور وناظمها هو الأستاذ الدكتور “علاء جانب” شاعر جامعة الأزهر الشريف وأمير الشعراء وأحد أعمدة الأدب في مصر والوطن العربي، أبياتٌ تحكي قصة إعجاز بكل ما تحمله الكلمة من معنى، فالأزهر الشريف كان ولازال الصخرة التي تتحطم عليها آثام المشككين والملاحدة الملاعين، وأصحاب الأفكار الضالة المستشرقين منهم والمستغربين.
تاريخ حافل بالنضال والكفاح من أجل الحرية والعدالة والحفاظ على الدين، مؤسسة عمرها تجاوز الألف عام وقرن من الزمان، لن أتوغل في صفحات التاريخ فتاريخ الأزهر يحتاج إلى عمري وعمر فوق عمري لكي أكتب عنه مجلدات، لا مجرد مقال تحكمه الضوابط الصحفية وينحصر في كلمات، سأحاول أن أكون منصفاً وسأجعل حديثي عن حاضر الأزهر الذي لا يختلف كثيراً عن ماضيه، ولكي لا أطيل سأدخل مباشرة في صلب الموضوع، لذا ارسم ابتسامة على محياك وتابع قراءة المقال.
(القشة التي قسمت ظهر الحمير)…للوهلة “الأولى” قد تظن يا عزيزي القارئ أن وصفي للأزهر بأنه قشة تقليل من شأنه أو ماشابه (حاشاني أن أفعل ذالك) ، لكن في رأيك لو كان أحدهم في ظلمات بحر لُجِّيِّ يغشاه موج من فوقه موج من فوقه سحاب، حتى كاد أن يغرق فإذا به يرى قشة فيتشبث بها فتكون السبب في نجاته، عند ذالك تكون تلك القشة من وجهة نظر هذا الرجل أثمن ما في الوجود، هكذا هو حال الأزهر الشريف اليوم شمعة تحترق لتضيئ الكون، وحاجز منيع في وجه أعداء الإنسانية والمتطرفين المندسين.
(الأزهر الشريف) الكلمة التي تتعبهم وتنغص عليهم حياتهم، ترى أحدهم عندما يفيق من سباته كل يوم يفتري (إفتراء) ويدبجه في مقال أو يقدمه كمحتوى مُذاع أو مُشاهد ومن ثم ينسبه للأزهر، أو يلصق أي حادثة من الحوادث المطروحة على الساحة إليه، حتى لو حصل إعصار في (الكاريبي) ، أو شن جيش من (الضباع) الحرب على (أسدٍ) في أدغالِ إفريقيا سيقسمُ بأن الأزهرَ هو السبب!!، بكل بساطة هي حرب ممنهجة على الأزهر ومنتسبيه، لأن الجميع يعلم أن خلاص هذه الأمة كامن في الأزهر الشريف، وتعاليم الدين الإسلامي الحنيف، الذي ظل محافظاً عليها لقرون من الزمان.
ذكرت في مقال سابق لي بعنوان :(لو أن من إختشوا عاشوا) أن عناصر تكوين الوعي هم “ستة” عناصر ، عَدَّتُ لك منهم المدرسة والمسجد والمؤسسات الإجتماعية والأسرة، فما بالك لو وجدت مؤسسة واحدة جامعة لمعظم تلك العناصر؟؟!، الإجابة واضحة وضوح الشمس يا عزيزي فالأزهر الشريف جامع وجامعة وأسرة ومؤسسة إجتماعية ومنارة للعلم ومنبع العلماء، على سبيل المثال سأتخذ كليتي كلية الإعلام جامعة الأزهر الشريف كمثالاً، وأيضاً لن أتوغل في التاريخ وسأعرض عليكم نماذج حية لأساتذة أفاضل أَعُدُ منهم ولا أُعَدِدُهم صدروا العلوم للدنيا ولازال عطائهم مستمراً (حفظهم الله جميعاً) .
أنطلق من عميد كليتي الأستاذ الدكتور “غانم السعيد” أستاذ النقد والأدب وأحد المراجع اللغوية في مصر والوطن العربي، أما عن وكيل كليتي فهو العَلَمْ الأستاذ الدكتور “رضا أمين” أحد أعمدة الإعلام في مصر والعالم الإسلامي، وهناك أيضاً الأستاذ الدكتور “أحمد زارع”، والأستاذ الدكتور “عبدالعظيم خضر”، والأستاذ الدكتور “إسلام عبدالرؤوف”، والأستاذ الدكتور “رمضان إبراهيم”، والأستاذ الدكتور “محمود عبدالعاطي” والأستاذ الدكتور “عرفة عامر”، والأستاذ الدكتور “السيد عفيفى”، والأستاذ الدكتور “محمود شهاب”، والأستاذ الدكتور “محمد حسني”، وغيرهم من الأعلام الذين شرفت بمعاصرتهم وتلقي العلم منهم.
كلية واحدة من جامعتي العريقة لو حاولت أن أكتب عن أعلامها لكتبت فيهم مجلدات، ولأفنيت عمري أتعلم وأنهل من سيرتهم العطرة ولا أرتقي لعلمهم أبدا، السؤال الذي يطرح نفسه هنا، والذي أعلم جيداً أنه جال في خاطرك يا عزيزي، لماذا قمت بذكر هؤلاء الأعلام في مقالتي هذه؟، دعني أصحح لك السؤال عزيزي القارئ والذي من المفترض أن يكون كالتالي: لماذا لا يتم تسليط الضوء (إعلامياً) على هؤلاء الأعلام بدلاً من أن يصدروا لنا (سموم القاع) و(غثاء السيل) الذي يذاع آناء الليل وأطراف النهار ؟، هذا هو السؤال بصيغته الصحيحة والذي لابد أن تكون له إجابة شافية تثلج الصدور!!!.
لو نظرنا إلى حقيقة الأمر لوجدنا أن المشكلة تكمن فينا نحن لا في (إعلامنا) في الأساس، فالإعلام ما هو إلا (رجع صدى) و(رد فعل) لصوت الشارع الذي بات التغريب يحتل معظم عقول شبابه، كيف لا وعدد عشاق الأغاني (المهرجانات) أكثر من عدد العلماء والباحثين والقراء والمفكرين، لا أحمل أحداً المسؤولية الكاملة ولم أكتب تلك الجمل لأبكي على الأطلال، ولكن كلامي من أجل التغيير والإصلاح ما استطعت، ورسالة إلى أقراني والأجيال الصاعدة من بعدي، نحن الأمل وبنا سيتغير ذالك الواقع المرير.
الحل يكمن في أيدينا فلن يغير الله ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم ويصححوا مساراتهم، لذا يجب علينا أن نتتبع آثار علمائنا ونسير على خطاهم وننهل من علمهم قدر المستطاع، وسينعكس أثر ذالك على حياتنا شيئاً فشيئاً، سنجد إعلاماً قوياً وجمهور واعٍ مثقف خالٍ على الأقل من أمراض العقل التي فتكت بالمجتمع، فالجهل مرض والتخلف مرض والجمود مرض وكلها أمراض تبيد أمم مهما كانت قوتها.
ولن يتحقق ما سبق إلا في ظل إيمان ثابت وعقيدة لا تتزعزع وقوة لا تخور، لذا يجب أن نتعاون ونترك الجدال الذي لا فائدة منه، والخلاف على الفروع التي أنستنى الأصول، ونلتف حول مؤسساتنا الدينية والثقافية ، ولا نسمح لأي ما كان أن يمزق نسيج هذه الأمة، أمة العلم والتعلم، وليبدأ كل واحد بنفسه، فإما حياة تسر الصديق وإما ممات يغيظ العِدى.
2021-03-24