« نستهين بها والجنة تحت أقدامها !! »
في الأسرة والمجتمع
865 زيارة
بقلم : سيد عبدالواحد السنوطي
لا أتحدث عن السذج الذين يفضلون زوجاتهم علي أمهاتهم، ولا الحمقي ممن يصرخون في وجوهم، ولكن أتحدث عمن يتعامل مع أمه وهو لا يعلم قدرها وقيمتها، فقد يستهتر بشئ أمرته به، أو لا يعطي له بالاً ولا إهتمامًا، وقد ينتبه لها بين الحين والحين، فلا هو مدرك كم من المشقة عانت، وكم من التعب والإرهاق ذاقت، تلك السيدة هي التي قطعت من راحتها وأضافت إلي راحتك، وأخذت من وقتها تزيد لوقتك، تخرج اللقمة من فيها وتضعها في فمك، تصحو طوال الليل لتنعم أنت بنومك تتخلي عن سعادتها مقابل سعادتك، فأنت منها وهي ليست منك .
إنها النور الذي يضيء دربك، شمس نهارك وقمر ليلك، فكيف بك تهتم بها يومًا في عامٍ وتغفل عنها باقي الأيام ! تشغلها أنت علي مر السنين وتشغلك هي بضع ساعات، أيعقل أنك ناكر للجميل، أم أنك اعتدت علي كرمها وطيبتها فلا تلقي لها بال، لا والله بل حان وقت رد الجميل، بجعل كل أيام السنة لها عيد، ألا تستحق أن يكون باقي أيامها عيد، كيف لا وقد جاء برها مقترنا بعبادة رب السموات والأرض، وحين يذكر اسمها يكرر ثلاث لجميل فضلها، وتوضع الجنة تحت أقدامها، أي عز هذا وأي كرامة هذه .
تعجبني دائماً قصة سمعتها ( أن رجلاً كان يحمل أمه علي أكتافه، ويطوف بها حول الكعبه، فيراه سيدنا عبدالله بن عمر فيقول له من هذه فيقول الرجل أمي وهذه هي الحجة التاسعه، أتراني بذالك قد وفيت حقها فقال له عبدالله بن عمر لا والله ولا حتي بصرخة من صرخاتها حين وضعتك )، كيف نحن الآن حيث يخجل الإبن وهو يسير ماشيا بجوار أمه يوصلها لمكان ما، وكأنه يشعر بالخزي ولكن علي النقيض تماماً ذاك الشعور بالفخر والأم تمشي بجوار ولدها، فعلاً ما أروع الأمهات وما أقسي الأبناء .
من الجميل أن يكون لديك سيارة فاخرة وزوجة لطيفه وأموالاً كثيرة، لكن الأجمل من كل هذا أن يكون لك أم … تظهر لك الكلمة من حروف قليلة لكنها تحمل من المعاني كالسيل الذي يخر من علي الصخر، تحمل معني الحب دون إنقطاع والتضحية دون أسباب والعطاء دون مقابل، والحنان والعطف يفيض منها كالنهر الذي لاينضب ولا يجف، هي السبب في وجودك، أعطتك من دمها وصحتها لتصبح ما أنت عليه الآن، فستقبل الطفل رهين بأمه، فهي حقًا إمرأة مدهشة .
كل ما انت وكل وما تريد أن تكونه أنت مدين به لأمك، فالأشياء التي تعلمتها علي ركبتيها لايمكن أن تمحي أبداً، فهي مدرسة بل جامعة، تضطر لمعاقبة ولدها ولكن سرعان ما تأخذه بين أحضانها، إبحث في قلب كل إمرأة تجد أمًا، إنهم حقًا محظوظون، ذاك القلب هو من روائع خلق الله، فوالله لو خيروني بين العالم وأمي لاختارت أمي، فياهذا رفقًا بها، وإياك ثم إياك أن تجرح مشاعرها، أو تُعلي صوتك عليها، فكما تدين تدان، وستعرف المعني الحقيقي لذالك حينما يرزقك الله بالولد .
وأختتم مقالتي بقول الشاعر أبو العلاء المعري …
العيشُ ماضٍ فأكرم والديك به
والأمُ أولي بإكرامٍ وإحسان
وحسبها الحمل والإرضاع تدمنه
أمران بالفضل مالا كل إنسان .
2020-03-21