شخصيات نهضت بالأمة
في الأسرة والمجتمع
998 زيارة
كتبت / هدير الحسيني
لكل حضارة تاريخ ولكل حضارة نجد فيها شخصيات نهضت بأمُتِها ونهضت بإنسانيتِها ، لذلك يجب أن نُلقي الضوء عليهم لكي نعرفهم ونُعرف أبنائنا من تكون هذة الشخصيات، وما الذي قاموا بهِ للنهوض بالأمة ما الذي قاموا بهِ لعلو الهمة لكي يكتُب التاريخ عنهم وعن إنجازاتهم وهذا سوف نعرفه في حلقات موجزة بعنوان (شخصيات نهضت بالأمة ) ، واليوم سوف نتعرف علي شخصية كان لديها نصيبٌ كبيرٌ من الدهاء والذكاء والسماحة والقدرة الفائقة للتعامل مع الناس علي قدر أحوالهم ، فبهذة الصفات الرفيعة ساعدته لإقامة دولة تميزت بالإزدهار والإستقرار وهي الدولة الأموية والتي قام بتأسيسها ( معاوية بن أبي سفيان ) .
“معاوية بن أبى سفيان بن حرب بن أمية بن عبد شمس بن عبدمناف”، وأمه «هند بنت عتبة بن ربيعة بن عبد شمس بن عبد مناف»، ويلتقى نسبه من جهة أبيه وأمه مع نسب رسول الله صلى الله عليه وسلم – فى «عبد مناف»، ولُقِّب بخال المؤمنين لأن أخته «أم حبيبة» أم المؤمنين كانت زوجة للنبى – صلى الله عليه وسلم -. وُلد معاوية قبل الهجرة بنحو خمسة عشر عامًا، وأسلم عام الفتح، سنة (8هـ)، وأصبح منذ أن أسلم كاتبًا من كتَّاب الوحى لرسول الله -(صلى الله عليه وسلم )، وشارك فى عهد «أبى بكر الصديق في حروب الردة، وفى فتوح الشام تحت قيادة أخيه الأكبر “يزيد”، وأبلى فى ذلك بلاءً حسنًا وقد قام سيدنا ” عمر بن الخطاب ” بتوليهِ الشام بأكملها بعد وفاة أخيه «يزيد» سنة (18هـ)؛ لكفاءته الحربية ومهارته فى السياسة والإدارة، وظل فى ولايته مدة خلافة «عمر»، ثم أقره «عثمان بن عفان» (24 – 36هـ) على ولايته، فاستمر فى سياسته الحكيمة، ضابطًا لعمله، حارسًا لحدود إمارته، يتصدى بكل حزم لأعداء الإسلام، محبوبًا من رعيته، وقد استقبل المسلمون خلافة «معاوية» إستقبالا حسنًا، واجتمعت عليه كلمتهم، وكان هو عند حسن الظن، كان جديرًا بالمنصب الجليل، خبيرًا بشئون الحكم وأمور السياسة، لأنه كان لديهِ خبرة واسعة وتجربة طويلة فى الإدارة وسياسة الناس، امتدت إلى أكثر من عشرين عامًا، وهى فترة ولايته على الشام بالإضافة إلى تمتعه بكثير من الصفات الرفيعة، التى تؤهله ليُصبح رجل دولة من الطراز الأول وقد أجمع المؤرخون على أن معاوية كان لديهِ نصيب كبير من الذكاء والدهاء والسماحة والحلم والكرم، وسعة الأفق، وقدرة فائقة على التعامل مع الناس على قدر أحوالهم، أعداءً كانوا أم أصدقاء. وقد استثمر «معاوية جهده كله، ومواهبه وطاقاته فى رعاية مصالح المسلمين وتوطيد دعائم الدولة، ونشر الأمن والإستقرار فى ربوعها، واتبع فى تحقيق ذلك سياسة حكيمة تقوم على دعائم ثابتة فأن لكل حاكم سياسة يتبعها لإقامة دولته ومن المواقف التي تدل علي ذكاء ” معاوية ” موقف مع سائليه :قيل لمعاوية بن أبي سفيان , يوم صفين :إنك تتقدم حتى نقول : إنك تقبل وإنك أشجع الناس وتتأخر حتى نقول : إنك تفر وإنك أجبن الناس ، فقال معاوية : أتقدم إذا كان التقدم غُنماً , وأتأخر إذا كان التأخر عزماً ،معاوية يختبر ابنه : سأل معاوية ابنه يزيد : لو سألك سائل يا يزيد وقال : من قومك ؟ ماذا تقول له ؟
قال : أقول له : سلاماً ! قال: أحسنت ، يريد معاوية بذلك أن يبرز قولهِ تعالى : ( وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَامًا )، دهاء معاوية مع زياد : لاذ رجل مطلوب لزياد للمحاكمة بأمير المؤمنين معاوية فكتب زياد إلى معاوية يقول : أكلما حاولت محاكمة أحد لاذ بك وتعلق بحماك ؟ اللهم إن هذا من أمير المؤمنين إفساد لعملي ومحاربة لي !! فأجابه معاوية : يا زياد إنه لا يجوز أن نسوس الناس بسياسة واحدة
فيكون شعارنا شعار رجل واحد ، ولكن فلتكن أنت للشدة ولأكن أنا للرحمة والعطف فيستريح الناس إلى جانبنا ويطمئنوا إلينا فسكت زياد وقال : ما غلبني معاوية إلا في هذه .
وقد إختلف المؤرخون بالنسبة لسياسة معاوية فهناك من قال بأن سياسة “معاوية” تتلخص فيما يلى: – العمل على تسكين نفوس الأمة، وتأليف قلوبها بعد فترة مضطربة من حياتها، والإحسان والتودد إلى كبار الشخصيات من شيوخ الصحابة وأبنائهم، وبخاصة آل بيت النبى (صلى الله عليه وسلم) ، وقد أدت هذه السياسة إلى تجميع القلوب حوله، وتحويل الخصوم إلى أعوان وأصدقاء وحسن اختياره للولاة والحكام،فأنه قد أدرك أنه مهما أوتى من ذكاء وفطنة، ومقدرة وحكمة، فلن يستطيع أن يحكم الدولة وحده، حيث أراد أن يكون له أعوان يساعدونه فى إدارة البلاد على خير وجه، فاختارهم بعناية فائقة من بين أقوى الناس عقلاً، وأحسنهم سياسة، وأحزمهم إدارة، أمثال «عمرو بن العاص»، و «المغيرة بن شعبة»، و «زياد» و «عتبة» وغيرهم. – ومباشرته أعماله بنفسه، فأنه قد كرس وقته وجهده للدولة وسياستها، وعدم ركونه إلى حيالراحة والدعة، على الرغم من استعانته فى إدارة الدولة بأعظم الرجال فى عصره بهذه السياسة استقرت الدولة وسادها النظام، وعمَّها الأمن والسكينة، وكان ” معاوية يتسم أيضاً بالذكاء السياسي ومن المواقف التي تدل علي ذلك : سأله إعرابي عن كيفيَّة حكمه للنَّاس لمدَّة أربعين سنةً بلا فتنة؛ أي ثورة والدُّنيا حوله تغلي: حيث قال معاوية رضي الله عنه :
” إني لا أضع لساني حيث يكفيني مالي، ولا أضع سَوْطي حيث يكفيني لساني، ولا أضع سيفي حيث يكفيني سَوْطي؛ فإذا لم أجد من السيف بُدّاً ركبتُهُ؛ ولو أن بيني وبين الناس شعرة ما انقطعت؛ كانوا إذا مدّوها أرخيتها، وإذا أرخوها مددتها فأن ” معاوية” قد أدرك كيفية التعامل الصحيح مع كل شخصية وما ينُاسبها من أدوات فأنه كان يتعامل بالمنطق مرة ، وقد تعامل بالمال مرة أخري ، وأيضاً تعامل بالسلاح ، فمن هذا الموقف نستفاد أننا لا بد أن نعرف طبيعة البشر وفيما تسمي الأن ( الأنماط الشخصية ) ومعرفة كيفية التعامل الصحيح بالأدوات التي تُناسب كل طبيعة بشرية لكي تتم إدارة المؤسسات والدول بشكل سليم .
وقد صور ابن سيرين اللحظة الأخيرة من حياة معاوية، ويقول: (عندما كان احتضار معاوية كان يضع خداً على الأرض، ثمَّ يُقلّب وجهه، وأخذ يضع الخد الآخر، ويبكي ويقول: (اللهم إنك قلت في كتابك: ((إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَٰلِكَ لِمَن يَشَاءُ))، ودعا بهذا الدعاء (اللهم اجعلني فيمن تشاء أن تغفر له) ، وتُوفِّى «معاوية» فى شهر رجب سنة (60هـ) بدمشق .
فرجالاً مثل هؤلاء يعجز اللسان في التعبير عنهم لأنهم لم يكونوا مثلهم مثل كل الرجال ولا يكون حكمهم مثل كل الحكام فأنهم رجالاً عاصره رسول الله ( صلي الله عليه وسلم ) وتطبعوا بطبعهِ وتحلوا بأخلاقهِ لكي يقودوا وينهضوا بالأمة .
وسوف نتعرف علي شخصية أخرى في الحلقة القادمة بإذن الله.
2018-11-28