كتبت : أسماء البردينى
يعتقد الكثير من الآباء أنّ تحدّث طفلهم مع شخصيات من نسج خياله يمكن أن يكون بسبب مسّ من الجانّ، أو إصابته بمرض عقلي، وقد يذهبون به لشيخ يقرأ عليه، أو يطالبونه بالتخلّي عن رفيقه الخياليّ، وعقابه كلّما حادثه أو لعب معه، معتقدين أنّهم بذلك يحمونه من الدخول في مشكلات نفسيّة.
وتشير دراسات علماء النفس إلى أن نصف الأطفال على الأقل يبتكرون في وقت من الأوقات صديقاً وهمياً خيالياً غالباً ما يكون في مثل سنّهم أو أكبر منهم بقليل، يتكلّمون معه دائماً أو في أوقات الفراغ، وينسبون إليه أفعالاً عدّة. وثمّة أطفال يتخيّلون عائلة تكون بديلة من عائلتهم.
في بحث بريطاني، أكد الباحثون أن طفلًا من كل 5 يمتلك صديقًا خياليًا يتمثل في حيوان أو إنسان أو شخصية خيالية من الكارتون أو لعبة محببة كدبدوب صغير أو غير ذلك ، وفي الغالب ما يحاول الصغير أن يشرك أبويه والكبار معه في تلك الصداقة .
يمكن ملاحظة هذا الصّديق عند اكتمال مخيّلة الطّفل، لكونه دليلاً على غنىً فيها واكتمال قدرته الكلاميّة، وهو ما يحصل في المرحلة الأوديبيّة، وفي الغالب ما تنتهي تلك الصداقة الخيالية ما بين الثالثة والخامسة وربما في السادسة. ومن المفترض ألا يتخطّى الأمر هذه المرحلة لأن الطّفل بعدها يبدأ التفريق بين الحقيقة والخيال، ويتوقّف عن رؤية الأشياء من منظاره الخاصّ، لتصبح أقرب إلى الحقيقة وبالتالي أكثر موضوعيّة.
فالصديق الخيالى هو الشخصية غير المرئية التي يطلق عليها الطفل اسمًا خاصًا، ويشير إليها خلال محادثاته مع الآخرين، أو يلعب معها مباشرة، ويكون لها حضورها الواقعي بالنسبة للطفل، ولكن من دون أساس وصفي واضح أو مشاهد. ويختفي لدى الطفل الطبيعي بعد أن يخرج إلى محيط أوسع من خلال الاحتكاك بأطفال في مثل سنه في المدرسة
ويوجد سببين للجوء الطّفل إلى الصّديق الخيالي “السّبب الأوّل والأهمّ هو حاجته إلى ملء الفراغ الذي يعيشه، فهؤلاء الأطفال يشعرون بالوحدة بأنهم مهملون ، وما من أحد يلعب معهمأو يكون الواحد منهم طفلًا وحيدًا أو أول طفل في العائلة ولم يأتي أطفال بعد أو هو الأصغر بعد إخوة وأخوات يكبرنه في العمر بفارق كبير، بينما لو الفارق صغير لا يجد الطفل داعيًا لذلك.، أو يعيشون مع أشخاص كبار لا يستطيعون التأقلم معهم، فتدفعهم الحاجة إلى من يصغي إليهم وإلى اختراع هذا الصّديق. وقد يكون الوالدان مفرطي الحماية، ينشغلان دائماً بكل ما يتّصل بطفلهما، لذلك يبتكر صديقاً خيالياً لتكون له حياته الخاصّة التي يحتفظ بها لنفسه”، وأيضا يحتاج الصغير إلى صديق يتقاسم معه مشاعره وربما يشكو أبويه ويفرغ انفعالاته ويعبر عن مشاعره. لذا تظهر تلك الظاهرة عند الطفل الوحيد وتقل كلما كان الأبوين يحاولات إقامة صداقة مع الصغير، وقد يلجأ الطفل إلى اختراع هذا الصديق للتعبير عما يزعجه ويخشى الاعتراف به أمام أبويه في رسائل مخفاة رغبة منه في جذب اهتمامهما.
والسبب الآخر فيدخل ضمن الشق الاجتماعي، إذ يساعد الطّفل على الانخراط مع الأطفال الآخرين من هم في مثل عمره سواء في الحضانة أو المدرسة. أما إذا كان يعاني من مشكلة الانخراط ضمن المجموعة بسبب الخجل أو الانطواء، فإنه يحتفظ بالصّديق المتخيّل ويجد صعوبة في إقامات صداقات حقيقيّة.
ومن خلال هذا الصديق نستطيع التعرف على مخاوف طفلنا أو ما يساوره من قلق حول حب أبويه أو غير ذلك، ففي الغالب ما يطلعنا الصغير عن مخاوفه وقلقه ورغباته من خلال قصصه التي يرويها لأمه وأبيه عن صديقه، بل إنه أحيانًا بعدما يعرف جيدًا ما الخطأ والصواب يقدم على الخطأ ثم يبرره بتأثير صديقه فتجد الطفل يلوم صديقه الخيالي لأنه لعب معه وجعله يتأخر عن دروسه أو عن النوم…….الخ.
ويأتي التعامل المثالي وسطيًا بمعنى عدم تكذيب الصغير أو تعنيفه وعدم مسايرته التامة وتصديقه الكامل. ففي حين أنه من المقبول عموماً أن تتسلى مع طفلك وتسايره في مزاعمه حول وجود الصديق التخيلي.
فإن هناك بعض الأمور الأساسية ينصح بمراعاتها :
لا تدعي ذلك “الصديق” رفيق طفلك الوحيد بل اصطحبيه للتعرف على أطفال أصدقائك وأطفال العائلة الآخرين بل ربما في النادي مع أطفال مختلفين وإذا تمتع بصحبتهم حتى نسي في وجودهم صديقه وأراد أن يلعب معهم مرارًا فهذا أمر جيد، وإذا لم يكن لطفلك أي أصدقاء أو اهتمام بصحبة الآخرين، فقومي باستشارة أخصائي خوفًا من أن يكون طفلك يعاني من التوحد أو غيره.
لا تدعي طفلك يلقي بمسؤولية فعل كافة الأمور السيئة على “الصديق” فإن كسر شيئًا فقل له في المرة القادمة انتبه أنت
عاملي “الصديق” باحترام فأنت في الحقيقة تحترم صغيرك ولا تسفه من الفكرة. احترم الصديق إن كان لعبة ما (فهو أفضل من الخيال التام) فإن قال لك ماذا فعلتِ ماما لقد جلست على صديقي؟ فأجيبي أووه حقًا؟ أنا آسفة
لا تبدأي أنت استخدام فكرة “الصديق” للتعامل مع طفلك، خاصة إن لم يذكره هو فلا تقولي لقد أنهى أحمد واجبه لم لا تفعل أنت؟ وبالتالي فأنت لا تقدمين لابنك تصديقًا كاملًا لوجود صديقه لكن للل تكذبيه أو تعنيفه أبدًا
يجب أن تدركي أن الصغار في هذه المرحلة لا يدركون فكرة الكذب. الأمر بالنسبة له خيال. لذا حاولي أن تفرقي بين خيال واختراع وبين كذب.
وهنا يجب أن تعى الأم فنيات التعامل مع طفلها فدعي القلق تمامًا وتعلمي منه أنت ملكة الخيال والابتكار، واعلمي أن صديقه يساعده على التمييز بين الصواب والخطأ خاصة عندما يلومه فهو يميز الصواب لكنه لا يستطيع تحمل مسؤولية أخطائه، وتعلمي أن تفهمي رسائل صغيرك وأن تستجيبي لها فإن كان وحيدًا كوني صداقة واشركيه في صداقات أخرى واشغلي وقته، وإن كان لا يشعر بالأمان فراجعي حياتك مع أبيه، وإن كان لا يشعر أنه محبوب فأغدقي بعضًا من حنانك ، ولكن إذا زاد الأمر عن عمر السابعة ورأيت أنه لا يزال يخشى مواجهة العالم الخارجي وتكوين صداقات وما زال منعزلًا، فمن الأفضل استشارة الاختصاصيين.
تذكري طفولتك جيدًا وستجدين أنك تمتعت بكثيرٍ من الخيال..