اعرف قيمتك بعيدا عن حب المظاهر والبرستيج
في الأسرة والمجتمع
2,369 زيارة
كتبت :أسماء البردينى
من الصعب تصور مجتمع غاية طموح أفراده إبهار الآخرين بمظهرهم أن يكون له أمل في التقدم والتطور مالم يشغل فكر أفراده فكرة سامية أو غاية نبيلة أو قضية هامة للقفز بمجتمعه بل بالمجتمع الإنساني كله من خلال بحث علمي أو مشروع حضاري أو ما شابه ذلك فالانخراط فى التفكير بموضوع المظاهر يسلبنا إلى جانب المال الرقي الفكري.
و يمكننا أن نضع هذه الظاهرة في خانة “البرستيج” الذي يهم كل سيدة عربية ويبدأ الامر من أصغر التفاصيل الى أكبرها، وبات يشكل هوسا على كل الحالات حتى باتت مؤخرا عمليات التجميل جزءا منه، ومن مكملات المرأة، بعد ان سجلت هذه العمليات رواجا واسعا في العالم العربي وهي في زيادة مستمرة حيث بلغت ذروتها خلال العقود الثلاث الماضية
وتعاني بعض المجتمعات من مشكلة “حب المظاهر” وحب التميز الذي يضطر الشخص الى الكذب أحيانا في ما يتعلق بلباسه او اغراضه. وهذه الظاهره بدأت تتفاقم وتنتشر في مجتمعاتنا.
كم مرّة تحدّثت أمام الجميع عن ماركة ساعتك أو معطفك وأنّك لا تشتري إلّا من ذاك المكان ليس لجودته إنّما للمفاخرة فقط وحب المظاهر ؟!!كم مرّة قلت بأنّك تجلس في مكان معين للمفاخرة أيضاً؟!!
كم مرّة تستطيعين الخروج من المنزل على طبيعتك بدون أن تضعي أيّ نوع من مساحيق التّجميل على وجهك وأنت واثقة؟!!
كم مرّة تشعر أو تشعرين أنّكم مقيّدون لأسباب كثيرة بسبب تلك الأفكار المزعجة؟ وكم مرّة تشعر أنّ هناك جبل كبير وتراكم هائل من تلك القيود بينك وبين نفسك ؟
أسئلة كثيرة يجب أن نسألها لأنفسنا كلّ يوم لنتأكّد إن كنّا مصابين بمتلازمة أزمة حب المظاهر أو “البرستيج” كما يسمّونه.
البرستيج هو عدم المصالحة مع الذّات في الواقع، وحبّ المظاهر هو أن نركض وراء إرضاء فكرة النّاس عن أنفسنا، وعدم التّصرّف على طبيعتنا.
وحبّ المظاهر إمّا أن يفرضه الإنسان على نفسه، أو يفرضه عليه مجتمعه، وهو يقيّد الرّوح بقوانين زائفة لإرضاء الغرور لا أكثر، وهو أيضا عبارة عن معايير معينة يفرضها الإنسان على نفسه أو يفرضه عليه المجتمع المباشر المحيط به، و يدل على عدم كمال نفسية الإنسان أو على قصور في ذاته يغطيها بالـ”برستيج”.
أمّا عن أهم أسبابه حسب استطلاع تم على عيّنة من طلّاب الجامعة فكانت أهمّ الأسباب من وجهة نظرهم:
الشّعور بالنّقص وضعف الثّقة بالنّفس ومحاولة تعويض ذلك الفراغ الدّاخلي بالمبالغة بتلك المظاهر الخارجيّة .
محاولة إثبات الذّات والتّميّز عند الاشخاص الّذين لا يعرفون قيمة ذواتهم وقيمة القدرات الّتي يمتلكونها.
تكبّر عند البعض ليُشعروا الآخر بعدم قدرته على امتلاك تلك الاشياء باهظة الثّمن.
الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي تؤثّر تأثيراً كبيراً بالنّاس وتوجّه اهتماماتهم.
الانفتاح وعدم القناعة بالأمور البسيطة.
وأطهرت نتائج تلك الآراء بأنّ التّظاهر والتّفاخر بأي شيء يعيد هذا التّوازان النّفسي والاجتماعي المفقود أصلاً، ويجعلنا نتماشى مع ما يسمّى “الموضة” فنقلّد كلّ شيء تقليداً أعمىً لنعيد هذا التّوازن لأنفسنا ، وقد يكمن الحل في التّنشئة الاجتماعيّة من الأساس، وزرع الثّقة بالنّفس عند الأطفال، وتنمية المهارات القياديّة عندهم لكي لا يمشوا وراء أيّ شيء فارغ وسطحي.
ولربّما كانت الفتيات أكثر عرضة للتّأثّر بهذه الظّاهرة، وخصوصاً عندما نرى أنّ أغلب النّساء لا يستطيعون الخروج من المنزل للعمل أو الدّراسة أو أي مكان إلّا بوضع الماكياج لإخفاء عيوب الوجه، وهذا الأمر يسبّب إرهاقاً لها وتعباً لبشرتها، بالإضافة لفقد أهم مميّزات أنوثتها وهي أن تكون على طبيعتها دائماً.
لذلك قيمتك كفتاة لا تكمن في نوع العطر الّذي تضعينه أو ماركة الحقيبة الّتي تحملينها أو من أين تشترين أحذيتك ، قيمتك تكمن في داخلك أنت فأنت من يضفي رونقاً على حقيبتك، وأنت من يعطي روحاً للمكان الّذي تجلسين فيه بلمساتك الفنية.
روحك فقط هي من تعطي عطراً فوق عطرك الّذي تضعينه، أحبّي ذاتك وثقي بها أحبّي نفسك كما هي فهي أثمن من أي شيء مادي آخر ، وأخيراً فعلى الإنسان أن يعود دائماً إلى نفسه وطبيعته البشريّة إذا أرهقته هذه المظاهر وسط كلّ هذا الانفتاح والضّغوط الّتي نعيشها ، وعليه أن يعي أنّ ثقافته وعلمه وأخلاقه وبساطته وطبيعته هي الّتي ترفعه وليست الأشياء الماديّة هي من تعطيه القيمة.
وقال الدكتور “يوسف لطيفة” الأخصائي بالأمراض النفسية: “إنّ غالبية الأشخاص الذين يعانون من مشاكل نفسية عديدة وعلى رأسها الشعور بالنقص وعدم الثقة بما يمتلكون من إمكانيات يلجؤن إلى المظاهر المصطنعة والخداع لتغطية نقص المهارات أو الفشل بهدف الإيحاء للآخرين بأنهم أشخاص مرموقين وناجحين، وأنّ بعض هؤلاء يعانون من اضطراب في الشخصية كاضطراب الشخصية الهستيري والاضطراب التحويلي وإذا كان هذا الادعاء يترافق مع علامات نفسية أخرى مثل “اضطراب في السلوك، أوهام، هذيان” فهذا يعني تفاقم الأزمة النفسية وضرورة علاجها”.
ويُرجع الدكتور لطيفة ازدياد هذه الظاهرة إلى ازدياد التفكك الاجتماعي وغياب القيم الأخلاقية لتحل محلها القيم المادية مما يؤدي بالإنسان إلى التفاخر بما يملكه أو ادعاء ما لا يملكه دون أن يشعر بأنه مخطئ أو مخادع للآخرين، وكل هذه الأمور تعود إلى العولمة التي أدت إلى انتشار مظاهر البذخ والترف وضعف الجانب التربوي والأخلاقي عند الأفراد ، ويرجع ذلك أيضا إلى عدم الثقة بالنفس تدفع الإنسان إلى التفاخر بما يملكه أو إدعاء مالا يملكه
ويضيف الدكتور “لطيفة “إنّ العلاج هو اجتماعي بالدرجة الأولى ولابد من تقويم الفرد عن طريق تنمية المهارات الفردية له والتأكيد على أنّ ما يملكه من إمكانيات هي الأساس في تقييم المجتمع له، وأيضاً محاولة تنمية الثقة بالنفس والإقلال من الاهتمام بالموضة ومظاهر الترف، وعدم إعطاء أهمية كبيرة لرأي الآخرين، وذلك عن طريق جلسات من العلاج النفسي والسلوكي.
على صعيد آخر : أرجع علماء النفس الإهتمام بالمظاهر أو حب الظهور لمرض نفسي نتيجة الإحساس بعقدة النقص ممن هم أعلى من المستوى و يرجع السبب الأساسي لقلة الإيمان بالله و لعدم الرضا الكامل بقضاء الله و بالنصيب. فمحبو المظاهر يعيشون في قلق و توتر دائم تأخذ التعاسة و الهم منهم كل مأخذ، و قد يضطرون أحيانا لإرتكاب بعض جرائم الإختلاس و السرقه لمجاراة المظاهر الكاذبة .
ومن الأمثلة ايضا، هناك من يلجأ للإقتراض لشراء سيارة على أحدث موديل فقط لأن صديقه من عائلة فلان بن فلان يملك مثلها، وهناك من ينفق مئات الألوف على إقامة حفل زواج تشهد له كل العائلات و تبذخ و تسرف و تكلف نفسها فوق طاقتها فقط لأنهم ليسوا بأقل مستوى من هذه العائلة و تلك، و هناك من يقصر على أولاده ليوفر تكاليف سفره إلى إحدى الدول الأوروبية لم لا وأصدقاؤه بالعمل ليسوا بأفضل منه، و هناك و هناك، حالات يطول الحديث لذكرها.
الجمال الفطري هو الاهم: الكل يتفق ان الجمال هو الجمال الفطري الذي يخلقه الله وهو جمال دائم، ولكن هناك من يلجأ الى تقييد روحه بقوانين زائفة لارضاء الغرور لا اكثر، ظنا منه بان هذا هو درب الجمال، ليصل الى الكمال ويعتبر انه بهذا الشكل يشكل برستيجا خاصا به بين الناس أو ستايل معينا يميّزه عن غيره ، مع اختلاف الآراء فهناك من يؤيد وهناك من يعارض.
ومن ناحية آخرى أوضحت أخصائية الإرشاد التربوي “مريم الحسن “أن حب الظهور تجاوز الحد الطبيعي وبات استعراضاً وتباهياً للفت انتباه من هم حول الشخص، فلا بد من مساعدة الشخص الذي يعاني من التظاهر وتقويمه بشكل صحيح مثل: نصحه بشكل مباشر وإخباره بأن ما يقوم به غير صحيح و يجب الابتعاد عنه.
وتقول الإخصائية الاجتماعية” دارين أحمد”: إن حب الظهور والتباهي انتشر بشكل كبير في المجتمع ووجد في الأوساط ذات المستوى المعيشي المتوسط والمتدني من أجل التفاخر والتباهي والحصول على إعجاب الجميع وثنائهم، وتضيف لابد من تجنب الإسراف والتبذير لما ينطويان عليه من تبديد غير واع لموارد الفرد والمجتمع
البرستيج 2019-01-01