حوار: رحمة سيد
الفن والفنان كلمتان مترابطتان يحملان معنى جمالي وإبداعي، فالفن يرتبط بالجمال والحس المرهف اللازم لتذوقه، وهو واحد من وسائل الاستيعاب والتصوير الجمالي للعالم، والفنان هو صانع الفن وممارسه الذي يتركه للمتلقي ليتذوقه، ومن بين الأنواع الكثيرة للفن وُجِد الفن التشكيلي.
فالفن التشكيلي حرية يمتلكها الفنان ليعبر عن نفسه والواقع من حوله، كما أنه نظرة فلسفية ومرآة للمجتمع لعكس الحالة الشعورية والثقافية للبشر.
وفي هذا أجرت الدولة الآن حوار خاص مع الفنان التشكيلي العراقي “نبيل علي” أستاذ في كلية التربية الأساسية الجامعة المستنصرية قسم التربية الفنية ليروي رحلته مع الفن التشكيلي.
وعند بدء الحوار وسؤال الفنان “نبيل علي” ما هي بداية رحلتك في الفن؟
بدأت رحلتي عندما كنت صغيرا في المرحلة الإبتدائية، وسبب حبي للفن هو والدي فكان عسكري بالجيش العراقي السابق وفي نفس الوقت كان عنده شغف وحب للفن كبير وكان يملك جميع أدوات الرسم من ألوان زيتية وغيرها من الأدوات، في هذا الوقت كان لا يسمح لي بالرسم فكنت استغل فترة مكوثه في الجيش واتجرأ على الألوان الزيتية وأغامر محاولاً رسم أشياء أكبر من مرحلتي العمرية، وبعدها بدأت انجذب للأشياء التي لها علاقة بالفن كالأزياء والأسواق القديمة ببغداد والأشياء التي لها علاقة بالحضارة العراقية والكتب الفنية فتدربت عيني على اللوحة والألوان، ثم دخلت المرحلة المتوسطة ونصحني والدي بدخول معهد فنون جميلة قائلاً لي (أنا شايفك فنان تشكيلي أكتر ما تكون في الجانب الثاني العلمي أو الأدبي) واتبعت النصيحة وبدأت مرحلة جديدة، ففي السابق كنت ارسم بطريقة عفوية غير مدروسة لكن بعد دخولي المعهد ادركت أن هناك قوانين للرسم وأبعاد وقوانين للون، ثم شققت طريقي للفن التشكيلي، في البداية كنت ارسم بالمدرسة الواقعية كمشهد من سوق شعبي والحرف الشعبية والأزمات التي مررت بها العراق، ومشروع تخرجي كان اسمه الأزمات فرسمت أزمة البطالة والكهرباء والمياه وكل الأزمات تقريبا جسدتها بطريقة واقعية.
هناك لوحة من مشروع تخرجك بها ثلاث بنات جالسات عن أي أزمة تعبر؟
تعبر عن أزمة الكهرباء، فعادة كانت تنقطع الكهرباء ويكون الجو حار جدا فرسمت اللوحة باللون الأحمر الذي يرمز للحرارة وزي البنات كان زي منزلي.
تفسير الناس لهذه اللوحة على صفحتك الشخصية كان عن حب الأخوات فما رأيك؟
الرسام عليه أن ينجز عمل فني بفكرة ما والمتلقي يترجمها، فقد أقصد فكرة والمتلقي يراها بشكل آخر، وهذه جماليات الفن التشكيلي فن يحمل أكثر من تأويل وأكثر من رؤية.
ما هو سبب حبك للفن التشكيلي؟
التعبير عن شئ معين فأنا أؤمن بالفكرة، فهناك كثير من الفنانين يرى أن العمل الفني أصبح جزء من الديكور مجرد تكوينات لونية فقط ولا يلزم الدخول بالفكرة، لكن وجهة نظري أن اللوحة التي لا تحتوي على فكرة أو قصة تفقد كثير من دهشتها وتلقي الناس لها، فهناك كثير من أعمال فنية مهمة لفنانين اسماء كبيرة لكن سرعان ما يفقد العمل حماس المتلقي لها عند فقدانها للفكرة، فالفكرة هي التي تحركني وتدفعني للإنتاج والاستمرار.
اللوحات في المعارض السابقة التي شاركت بها كانت تعبر عن التراث العراقي ومعاناة الشعب التي مر بها هل هذا ينطبق على لوحات معرض فارس الأحلام؟
هذا المعرض مختلف عن أعمالي السابقة فلدي أعمال سياسية كثيرة، فمرت العراق بأزمات كثيرة كحرب إيران والحصار وتغيير النظام، وقد بدأت العمل بعد عام “2003”، قبل هذا العام كنت طالب في فنون جميلة ارسم للتمرين فقط من دون أفكار معينة، بعدها اختلف الوضع السياسي للبلد فبدأت انظر للفن بوظيفة جديدة وهو توصيل رسالة معينة من خلاله فيلزم أن يكون هادفا به فكرة وليس فن لمجرد الفن فقط، والأحداث التي مرت ببلدنا العراق من إرهاب وقتل وطائفية وفساد سياسيين لا أملك غير الفرشاه والألوان للتعبير عنها.
الفنان في العادة يكون له طقوس معينة عند الرسم كالجلوس بمكان ما أو الشعور بإحساس ما فما هي طقوسك عند الرسم؟
الجو العام للفنان مهم فأحيانا أثناء قيادتي للسيارة يلفت نظري مقهى شعبي مثلاً وتخطر لي فكرة معينة، فأقوم بالنزول من السيارة والذهاب للمقهى ومعي الإسكتش بوك (كراسة الرسم) وأنفذ اسكتشات (مسودة للرسم) قد تكون مشاريع للوحات، فطاقة المكان مهمة للعمل الفني.
في السابق كنت ترسم بالمدرسة الواقعية فهل مازلت على نفس المدرسة أم تغيرت؟
الفن بدأ يتطور ويأخذ آفاق أوسع، فسابقًا كانت الفنون عبارة عن عدة مدارس كالمدرسة التعبيرية والتكعيبية والسيريالية وغيرها وتمارس واحدة فقط من هؤلاء المدارس، أما حاليا ما بعد الحداثة بدأت المدارس تتداخل ببعضها فأملك أفكار أو نسب أو بعض التفاصيل واقعية فأدمجها مع المدرسة التعبيرية أوالسيريالية مثلاً، فأعمالي يتداخل فيها أكثر من مدرسة فأصبح هناك حرية أكثر في العمل.
إلام يشير معنى عنوان المعرض فارس الأحلام؟
فكرة فارس الأحلام فكرة بسيطة وسلسة فكل من يسمع اسم فارس الأحلام يفكر في أن فارس الأحلام للفتاة تحديدًا، فكل فتاة تحلم به، وقد رسمت فارس الأحلام بعدة أماكن وبعدة حالات، ففي لوحة تكون الفتاة مع فارس الأحلام وذاهبة معه لعالم جديد لتكوين أسرة، ولوحة آخرى تكون منتظرة فارس الأحلام وعندها مواصفات معينة له، فكل لوحة تعالج حالة معينة.
كيف بدأت فكرة أول لوحة في معرض فارس الأحلام؟
اللوحة الأولى هي من جعلتني أفكر في اسم المعرض فلم أكن أفكر في هذا الاسم في البداية لكن بعد الرسم بدأت امتلك مفردات لها علاقة بالفكرة التي أحب أن أطرحها، فاللوحة لها علاقة بالتفاحة والجنة وآدم وحواء فأردت أن ابدأ فكرة فارس الأحلام من بداية الخليقة.
ما هي نظرتك وتفكيرك عند رسم أي لوحة؟
عندما ابدأ برسم أي لوحة تولد اللوحة يوميًا ولادة جديدة فكل لمسة وإضافة هي ولادة جديدة، فهناك بعض اللوحات لا اتوقع نهايتها عندما ابدأ في رسمها، فهي مراحل وطبقات حتى تصل للنتيجة النهائية.
11/ما هو الإحساس أو الشعور الذي يسيطر عليك عند الرسم الحزن أم الفرح أم ترسم في جميع الأوقات؟
عندما ارسم ادخل في غيبوبة، فهناك أوقات من قوة الانفعال تنكسر الفرشاة ولا أشعر بذلك، وأوقات آخرى أشعر بالتوتر عند الرسم وبعد نهاية العمل اهدأ، فهي عملية صراع مع سطح اللوحة، فالفن التشكيلي فن صعب ومعقد فيلزم تقديم عمل به إحساس وفكرة من خلال سطح أبيض، فأمر بعدة حالات قد أكون حزين أو فرحان أو في أثناء الرسم احزن وافرح بنفس اللحظة بسبب فكرة ما لا اقدر على توصيلها فأكون في تحدي مع نفسي للوصول للفكرة بعدها افرح بذلك، وقد أكون عصبي من الفكرة.
لوحات المعرض تحتوي على بعض الكتابات متداخلة مع الرسمة فهل هذه وجهة نظر ما أم من أساسيات الفن التشكيلي؟
أحب دائما الرسم على سطح مختلف وليس سطح أبيض، فأحب أن يحتوي السطح على خامات وكولاج (فن تجميع الورق أو الصور ولصقها)، فعندي كتب قديمة أحب الاستفادة منها فأقوم بلصقها بعدها ادخل المواد الآخرى ثم ارسم فهي تعطي عمق للعمل الفني، ففي بعض الأوقات تكون الكتابة غير مقصودة وأوقات آخرى تكون الكتابة مقصودة، فينسجم النص في الورقة مع فكرة العمل، وأثناء الرسم إما النص يأخذني للوحة أو اللوحة تأخذني للرسم فممكن كلمة واحدة تجعلني أغير العمل.
شاركت في عدة معارض سابقًا وعرضت فيهم موضوعات كثيرة فما هي المعارض وما الإفادة المتلاقاه منهم؟
هي تراكم خبرة بالطبع، فأنا فخور وسعيد من تحقيق اسمي في القاهرة فتقريبا هي أكثر البلدان العربية حتى أكثر من بلدي الأم العراق وأكثر بلد عملت فيه معارض شخصية فردية فهذا المعرض “السابع” تقريبا أو أكثر لي في القاهرة، كما شاركت في ملتقى الأقصر ملتقى عالمي بفنانين عالميين وشاركت (بالآرت فير) ال “20” و “19” أيضا، ومشاركات كثيرة آخرى جماعية أو معارض شخصية.
ما هي تجربتك من خلال معارضك بالقاهرة؟
تجربة ناجحة ففي الحقيقة الجمهور المصري يمتلك ذوق راقي جدا، فمن خلال طرحي لأعمالي الفنية اكتشف تفاعل الناس وحبهم، كما أن طريقة تفسيرهم للأعمال الفنية ونقدها تدهشني حقيقة، فالمصريين معروفين بامتلاكهم حضارة عريقة كالعراقيين.
في النهاية هل تحب توجيه أي كلمة أو نصيحة لأي شخص؟
النصيحة أقدمها للفنانين الذين بدأوا شق طريقهم حاليًا، فأقول لهم استفيدوا من وضعكم الحالي فنحن الجيل الذي سبقكم كنا نعاني من كيفية الإطلاع على الفنانين القدماء أو مشاهدة الفن في العالم، فلم نكن نملك إنترنت أو وسيلة تواصل فاعتمدنا على جهودنا الذاتية، وأهم شئ الاستمرارية فأي فنان يتخرج من كليتنا الجميلة التربية الفنية لا ييأس فالفن انعكاس لشخصيته.