حين يصبح الدواء حُلمًا بعيدًا
في تحقيقات وحوارات
146 زيارة
تحقيق: منة الله شاهين
في كل يوم يمضي يصبح العثور على الدواء بمثابة رحلة شاقة لملايين من المصريين، حيث ينظر آلاف المرضى في صمت موجع قلوبهم مثقلة بالقلق وأعينهم تترقب بصيص أمل في العثور على الأدوية التي تعينهم على الصمود في وجه المرض، ينتشر شعور بالعجز أمام أزمة تتسع رقعتها يومًا بعد يوم إنها أزمة نقص الأدوية التي لم تعد مجرد خبر عابر في الصحف بل تحولت إلى كابوس يومي يعيشه المرضى وأسرهم في كل لحظة، كيف تحولت حياة الناس إلى سلسلة من الانتظار واليأس؟، إنها ليست مجرد أزمة صحية بل هي جرح عميق في جسد الوطن يهدد حياة الكثيرين ويجعل البحث عن العلاج معركة مريرة بين الحياة والموت، كيف وصلنا إلى تلك النقطة؟، ومالذي يمكن فعله لإنقاذ الأرواح العالقة بين رفوف فارغة؟، وما السبيل للخروج من هذه الأزمة التي تحرم الكثيرين من حقهم في الحياة؟.
يُعد نقص الأدوية ليس مجرد غياب للمنتجات الطبية بل هو انعكاس لمشاكل أعمق تتعلق بالإنتاج والتوزيع والسياسات الصحية، حيث تتسب هذه الأزمة في حرمان المرضى من الحصول على الأدوية التي يحتاجونها، مما يزيد من معاناتهم كما يهدد صحتهم بشكل خطير، إنّ تراجع توافر الأدوية الأساسية في الأسواق يضع الأطباء والمرضى في مواجهة صعوبات متزايدة، مما يصبح الحصول على العلاج الضروي تحديًا يهدد حياة المرضى، كما يعاني الكثيرون من صعوبة في الحصول على الأدوية التي يحتاجونها لعلاج الأمراض المزمنة أو الطارئة، وعند الرجوع للبديل يهدد حياتهم بالخطر خصوصا مع مرضى السكر الذين يتعاطون الأنسولين مما قد يؤدي إلى الموت.
تشير التقارير إلى أن هناك عدة أسباب أدت لتطوير تلك الأزمة، منها نقص المواد الخام حيث تعتمد مصر بشكل كبير على استيرادها من الخارج، ولكن أصبح من الصعب تأمين هذه المواد بكميات كافية، كما أدى ارتفاع معدلات التضخم الاقتصادي وزيادة تكاليف الإنتاج إلى تضاؤل الأرباح لشركات الأدوية، مما دفع بعضها إلى تقليل الإنتاج أو التوقف عن إنتاج بعض الأصناف غير المربحة، تقوم بعض شركات الأدوية المصرية بتصدير جزء من إنتاجها إلى الخارج، خاصة إلى الأسواق العربية والأفريقية حيث تفضّل بعض الشركات توجيه إنتاجها للخارج، بدلًا من تلبية إحتياجات السوق المحلية خاصة إذا كان التصدير يوفر لها أرباحًا أكبر.
كما أوضح “جمال الليثي” رئيس غرفة الأدوية باتحاد الصناعات المصرية أن سبب نقص الأدوية هو ارتفاع سعر الدولار في البنوك، بالإضافة إلى التسعيرة الجبرية من قبل الشركات العاملة في السوق، كما أن تلك الأزمة مستمرة في الأسواق ويتم العمل على حلها في عدة اتجاهات، حيث ذكرت مصادر حكومية أن الهيئة المصرية للشراء الموحد والإمداد والتموين الطبي تعتزم إبرام تعاقدات خارجية، لتصدير الأدوية والمستلزمات الطبية إلى دول الأفريقية منها ( تنزانيا و جيبوتي و زيمباوي و أنجولا)، بقيمة “١٠٠ مليون” دولار بنهاية العام الجاري “٢٠٢٤”، علمًا بأن التصدير إنتاج شركات مصرية.
نحو هذه القضية الشائكة أوضح الدكتور “محمود الشيمي” الطبيب الصيدلي مالك صيدلة الشيمي بقرية المنير محافظة الشرقية أن بداية تلك الأزمة مع ظهور فيروس كورنا نهاية سنة “٢٠١٩”، وبدأت في التصاعد تدريجيًا وصولًا إلى تطور تلك الأزمة في وقتنا الحاضر، فالأزمة تحدث عند التغيير المفاجئ في أسعار الدولار، لاعتماد مصر على استيراد معظم المواد الخام من الخارج، كما صرح أن معظم الأدوية الناقصة محتكرة في السوق السوداء، حيث أن احتكار المخازن والصيدليات للأدوية يجعل باقي الأماكن مهددة بالغلق لعدم وجود مايتم بيعه فيها، كما أن بعض الصيدليات تحرص على احتكار الدواء لحين رفع سعره وبيعه بالسعر الجديد لتحقيق مكاسب أكبر.
أيضًا بأخذ بعض آراء المواطنين أجابت “منى فهيم” أن أزمة نقص الأدوية من أخطر الأزمات التي يمر بها المجتمع في عصرنا الحالي، حيث تتوقف على حياة الإنسان مما قد يموت شخص بسبب عدم توفر العلاج الخاص به، لايتوقف فقط على الأمراض المزمنة بل يمتد للأمراض العادية التي تشمل الكبار والصغار، كما أن هناك صيدليات تحتكر أدوية قديمة لتبيعها بالسعر الجديد، يجب وضع رقابة من قبل الدولة عند توزيع الأدوية لكيلا يفرق بين القريب والحبيب من المرضى دون الآخر بل توزع بالتساوي عليهم جميعًا، مبينة “مريم وليد” أنها تعاني من زيادة الأملاح بجسمها وبحثت كثيرًا عن العلاج الأصلي في جميع الصيدليات المجاورة لها ولكن دون جدوى، كما وجدت البديل متوفر منه علبة واحدة فقط في صيدلية بعيدة كل البعد عنها مما سبب لها توتر وقلق.
استنادًا لما سبق علينا الحد من تلك الأزمة الكبيرة والتوقف عند هذا الحد من التطور، يجب التطرق إلى تلبية احتياجات المواطنين في الداخل أولًا ثم نتطرق لتصدير الفائض للبلاد الخارجية، حيث أن تلك الأزمة تعكس عادةً شعور بالإحباط والقلق لدى المريض، خاصةً أن حياته تعتمد بشكل كبير على توفر الأدوية له، تلك الأزمة ليست مجرد مشكلة صحية بل هي قضية تمس حياتهم بشكل مباشر، في حين أن الطبيب الصيدلي يجد نفسه في حيرة من أمره ويشعر بالضغط المهني والأخلاقي عند صعوبة توفير الأدوية الأساسية للمرضى حيث أن هدفهم الأساسي هو تقديم الرعاية الصحية المناسبة للمرضى.
ولمواجهة أزمة نقص الأدوية بفعالية علينا اتخاذ عدة خطوات شاملة تتضمن جوانب سياسية واقتصادية واجتماعية وبحثية، حيث يجب تشجيع الإستثمار في الصناعة الدوائية من خلال تحسين البنية التحتية لتصنيع الأدوية وتوفير بيئة مواتية للإبتكار والإنتاج، من خلال تخصيص ميزانيات كافية لقطاع الصحة وضمان استدامة التمويل لمشاريع الأدوية، ومكافحة الفساد من خلال تعزيز الشفافية والمساءلة في جميع مراحل إدارة الأدوية لمنع الفساد وضمان وصول الأدوية لمستحقيها، ويجب تنفيذ حملات توعوية حول الاستخدام الرشيد للأدوية لأنه ليس بكثرة الأدوية مما قد يسبب ضرر أكبر من نفعه وأهمية الالتزام بتعليمات الأطباء، بالإضافة إلى العمل على تحسين الاقتصاد الكلي للدولة لتوفير موارد كافية للقطاع الخاص، وتقليل الاعتماد على الاستيراد من خلال تعزيز الصناعات الوطنية التي تدعم قطاع الأدوية.
2024-09-18