مفتي الجمهورية: الإعلام الأمين يصنع وعيًا رشيدًا ويحصّن المجتمع من الغلو

كتب : عبدالرحمن عامر

أكد فضيلة الأستاذ الدكتور “نظير محمد عياد”، مفتي الجمهورية ورئيس الأمانة العامة لدور وهيئات الإفتاء في العالم، خلال كلمته في الجلسة الافتتاحية للمؤتمر الدولي السادس بكلية الإعلام بنين بجامعة الأزهر، المنعقد تحت عنوان «الإعلام الدعوي وبناء الإنسان»، أن انعقاد المؤتمر يأتي في لحظة تتقاطع فيها التحديات الفكرية والإعلامية، مما يستدعي بحثًا جادًا حول علاقة الإعلام بالدعوة، ودورهما المشترك في حماية الوعي وصناعة إنسان قادر على التمييز بين الحقيقة والزيف، مشيرًا إلى أن هذا الاهتمام يعكس إدراك الأزهر لقيمة الإعلام حين يلتزم بالصدق وينأى عن الإثارة والخصومات التي تُربك المجتمع.

كما بيّن فضيلته أن الدعوة الإسلامية منذ نشأتها حملت مشروعًا تربويًا وإنسانيًا ضخمًا هدفه بناء الإنسان في فكره وروحه وسلوكه، قائمًا على عقيدة التوحيد، وإرادة الخير، وصيانة الكرامة الإنسانية، والبناء الروحي والعقلي للإنسان كان ولا يزال أساسًا في ترسيخ الحضارة وتحقيق العمران، فالدعوة الصحيحة تُعلي شأن العقل، وتمنحه مساحة للتفكير والاجتهاد، وتحرره من الخرافة والتمييز والتعصب، بما يجعله قادرًا على فهم مقاصد الدين بعيدًا عن المبالغات التي تضر أكثر مما تنفع.

وأوضح مفتي الجمهورية أن القيم التي تحتاجها الساحة اليوم تشمل الإعلام الأمين القادر على نقل الحقيقة بلا تهويل أو تحريف، مؤكدًا أن اضطراب الوعي في الوقت الحالي يرجع إلى انتشار المعلومات المقتطعة وغير الموثقة، وما ينتج عنها من تشويش وإرباك للرأي العام، والإعلام في جوهره رسالة، والدعوة في حقيقتها هداية، وعندما يلتقيان داخل مسار منضبط ينتج عنهما وعي قوي يحصّن المجتمع من الانقسام، ويعزز قدرة الإنسان على اختيار الصواب.

أضاف فضيلته أن المؤسسات العلمية والدعوية الرسمية تضطلع بدور مهم في حماية المجتمع من الأفكار المنحرفة، من خلال تقديم خطاب علمي رصين يكشف زيف الشائعات والتأويلات الخاطئة، مشيرًا إلى أن الدعوة اليوم تواجه تحديات ثقافية وإعلامية غير مسبوقة، بعضها رسّخ مفاهيم سطحية عن الدين، وبعضها قدّم صورة ضعيفة تبتعد عن مقاصده، مما يستدعي مضاعفة الجهود وتقديم خطاب ديني متوازن يعيد الأمور إلى نصابها الصحيح.

وأشار المفتي إلى أن الدعوة الإسلامية أصبحت في مواجهة تيارات فكرية دخيلة تُعلي شأن المادة وتروج لنزعات الإلحاد، وتضعف علاقة الإنسان بالدين، مبينًا أن الحفاظ على الهوية يستدعي التمسك بالوسطية، ورفض الغلو، وتقوية الانتماء للوطن والدين، والعمل بروح واحدة تعزز الاستقرار وتحد من الاستقطاب، وجوهر الدعوة هو الرحمة والعدل، وأن إظهار هذه القيم واجبٌ في زمن تتسارع فيه المؤثرات وتتعدد فيه مسارات التأثير.

وتناول فضيلته وضع الشباب في فضاء التواصل الرقمي، موضحًا أن جزءًا كبيرًا من الجدل الديني يدور حول خلافات فرعية تعددت فيها اجتهادات العلماء، وأن الانشغال بها يفتح بابًا للفرقة ويضعف روح الوحدة، داعيا الشباب إلى التركيز على أولويات الدعوة التي ترتبط ببناء الوعي، ودعم الاستقرار، وتجنب التعصب الذي يحول الاختلاف إلى خصومة تضر بالدين والوطن معًا.

كمان أشار مفتي الجمهورية إلي ضرورة الالتفاف حول المؤسسات الدعوية الرسمية والاستفادة من علمائها وخبراتهم، مشيرًا إلى أن تعزيز حضورهم في الفضاء الإعلامي والرقمي لم يعد خيارًا، بل أصبح ضرورة لحماية عقول الشباب من الخطاب الفوضوي الذي ينتشر سريعًا عبر المنصات غير المنضبطة، والتجارب أثبتت أن الدعاة المستنيرين حين تُتاح لهم منابر إعلامية قوية ينجحون في تصحيح المفاهيم وترسيخ الفهم الرشيد.

في ختام كلمته أشاد فضيلته بكل الجهود التي تسعى إلى بناء الإنسان باعتباره الأساس في نهضة الأوطان، مؤكدًا اعتزازه بدعوة السيد الرئيس “عبد الفتاح السيسي” إلى صياغة الشخصية المصرية، وتأهيل الشباب، وإعداد دعاة يمتلكون من الوعي ما يمكّنهم من مواجهة التطرف، ونشر الفهم الوسطي، والمساهمة في بناء مجتمع قادر على مواجهة تحديات العصر بثقة ومسؤولية.

هذا وقد شهد المؤتمر حضور فضيلة أ.د. “محمد عبد الرحمن الضويني”، وكيل الأزهر الشريف، وأ.د. “سلامة داود”، رئيس جامعة الأزهر، وأ.د. “محمود صديق”، نائب رئيس الجامعة للدراسات والبحوث، وأ.د. “حسن الصغير”، رئيس أكاديمية الأزهر لتدريب الأئمة والوعاظ، وأ.د. “رضا عبد الواجد”، عميد كلية الإعلام، وعدد من أعضاء هيئة التدريس وطلاب الجامعة. وفي ختام الفعاليات قدّم عميد الكلية درع التقدير لفضيلة المفتي تكريمًا لجهوده في تعزيز الوعي وترسيخ قيم الوسطية.