الضمير أصبح الشمعة التي إنطفئت في قلوب الكثير
في تحقيقات وحوارات
1,103 زيارة
تحقيق:ياسمين أنور
يُعرف الضمير بالوجدان وهو قدرة الإنسان على التمييز بين ما إذا كان عمل ما خطأ أم صواب أو التمييز بين كونه حق أم باطل، وهو الذي يؤدي إلى الشعور بالندم عندما تتعارض الأشياء التي يفعلها الفرد مع القيّم الأخلاقية، وإلى الشعور بالإستقامة والنزاهة عندما تتفق الأفعال مع القيم الأخلاقية، وهنا يختلف الأمر نتيجة إختلاف البيئة أو المنشأ أو مفهوم الأخلاق لدى كل إنسان.
ويعرفه الفلاسفة “أن الضمير مركب من خبرات يكتسبها الإنسان وجدانيا تساعده على فهم المسؤولية الأخلاقية للسلوكيات التي ينتهجها وسط مجتمعه، وذلك بتمييزه بين الحق والباطل بناءً على وضعه في المجتمع ” فالضمير عند الفلاسفة لا يوّرث، وإنما يكتسبه الإنسان من خلال التربية والمعيشة والظروف، كما أنه مرتبط بأداء الواجب، حيث إن التقصير في أداء الواجبات يصاحب بتأنيب الضمير، وعلى ذلك فإنه يعد قوة دافعة التهذيب الذاتي للفرد،بالتالي سيادة الأخلاق الحميدة في المجتمع.
ولكن المشكلة هنا تنتج عند موت الضمير اوغيابه، فترى النهب والسلب، والأدهى من ذلك تجد الفرد بعد يتباهى بأفعاله الاجراميه، فعندما يموت الضمير تجد موت الابرياء وإزهاق الارواح لتحقيق المطامع، حتى تحولت البلاد الى فضوضى.
الفارق بين الانسان وبين غيره من الكائنات الحيه هو الضمير،إمتلاكه للضمير بداخله ليكون دليله ورشده، يرشده إلى الافعال الأخلاقية،فغياب الضمير يعني اننا انتقلنامن المرتبة الإنسانية إلى المرتبة الحيوانية، وهناك أحاديث في ديننا تدل على أن الضمير فعل القلب، عن الرسول (صلى الله عليه وسلم) “أن وابصة ابن معبد سأل الرسول عن البر والإثم، فقال (صلى الله عليه وسلم) ” يا وابصة إستفت قلبك، البر ما اطمأنت إليه النفس وأطمأنت إليه القلوب وتردد في الصدر وإن أفتاك المفتون” رواه أحمد.
وهذا لايعني أنه لا يوجد ضمائر حية في العامل العربي، ولكنها قليلة مقارنةً بالضمائر الميتة، ومن الأسباب الرئيسية لغياب الضمير لغياب الضمير هو غياب الرقابة في المهن والوظائف، فالموظف يأخذ الرشاوي وينهب أموال الناس ولم يجد عليه رقابة تجره عما يفعل،قال الرسول (صلى الله عليه وسلم) “إن الله يحب إذا عمل أحدكم عملا أن يتقنه”، وإتقان العمل ابتغاء لوجه الله عز وجل، وإتقان العمل يستدعي وجود ضمير حي يرجع نفسه عما يصدر منه، هذا هو الضمير الحي.
وغياب الوازع الديني أيضا من أول الأسباب لإنعدام الضمير، فعندما يغيب الفرد عن مراقبة الله عز وجل، فهنا ينعدم الضمير، وإذا إنعدم الضمير إفعل ما تشاء.
وأكد المؤرخ جيمس هنري بريستد في فجر الضمير أن بداية الضمير الإنساني ظهر في مصر أولا قبل نزول الوصايا العشر على سيدنا موسى بألف عام تقريبا، واستند الباحث في دراساته حول الضمير أن المصريين أول من وصلوا للأخلاق والضمير في تاريخ البشرية، إلا أن ما حدث للمصريين يؤكد أن الضمير توارى لأسباب مجهولة، والآن يدفع المصريون جميعا ثمن هذا الغياب خسائر كثيرة.
وتعتبر قضايا الفساد والرشوة هي أحد أمثال غياب الضمير، وعلى الرغم من أن الرشوة تعد جريمة منذ “١٨٨٣” إلا انها مازالت موجودة ومنتشرة في كل المصالح الحكومية، ولكنها تحمل أسماء مختلفة كالشاي، والإكرامية أو غيرها من المسميات التي وإن إختلفت لم تقلل من الجرم نفسه.
وقد شهد عام “١٨٨٣” صدور أول نص قانوني لتجريم الرشوة والصادر بقانون العقوبات، والتي تصل العقوبة إلى مدة ما بين “٣” و”١٠” سنوات، ومع إنتشار الرشوة في كل مكان بدأ المصريون يبحثون عن مسمى جديد له للتخفيف من حدتها، مثلا (فين الشاي؟) أو(فين الحلاوة؟) وكلما تطورت لغة الحوار المجتمعي تطورت المسميات.
وفي السياق ذاته يعتبر الطب مهنة إنسانية في المقام الأول، ويقسم الطبيب فور تخرجه أن يراعي الله في مهنته وأن يصون حياة الإنسان، وهذا القسم يمثل دور العاملين في الحقل الطبي سواء من الطبيب او من معاونيه، ولكن غياب الضمير وصل الي هذا المجال فجرد للطب من إنسانيته وجعلوه وسيلة لتحقيق مطامعهم، وهذا يتمثل في بيع أعضاء المرضى، وتشريح جثث لأخد الأعضاء.
حيث شهدت مصر في الآونة الأخيرة كثير من القضايا التي كان سببها الإهمال وإنعدام الضمير، ففي مايو عام “٢٠١٧” انقلب قطار بضائع عند محطة البدرشين بالجيزة، وتسبب في توقف حركة القطارات تماما في الإتجاهين، وتهشم ثلاث عربات بالقطار، وأسفر عنه إصابة “٢٧” شخصا، وحيث أن الإحصائيات تؤكد أن حوادث القطارات بلغ “١٢٢٤٠” حادث تقريبا ما بين عامي “٢٠٠٦” و”٢٠١٦”، ومؤخرا حريق محطة مصر الذي أسفر عن وفاة “٢٠” وإصابة”٤٠” آخرين، والمتهم الأول في هذه الجرائم الإهمال وإنعدام الضمير.
وفي السنوات الأخيرة شهدت مصر أخطاء طبية يندي له الجبين بسبب مراعاة الأطباء ضمائرهم في عملهم، وإذا كانت الأخطاء الطبية ظاهرة عالمية فإن منظمة الصحة العالميه تقدر وفياتها بنحو “٦٨ ألف” حالة سنويا، والظاهرة تتضاعف “ثلاث” مرات كل عام، وخاصة أثناء الجراحات الطبية حيث ينسى الأطباء فوطا في بطون المرضى، أو بسبب إستخدام أدوية غير معقمة، وإن كانت الأخطاء ناتجة عن غياب الضمير وحده بل وترجع أيضا إلى نقص الخبرة.
ومن جانبه، رصدت جريدة الدولة الآن بعض آراء المواطنين حول تلك الظاهرة، حيث قال “ناصر.ح” إنعدام الضمير ظاهرة منتشرة مع فساد مجتمعي، وأولا ممكن القول أن إنعدام الضمير فردي و مجتمعي، فالفردي هو ضمير الشخص والمجتمعي هو ضمير المجتمع ككل، والضمير الفردي يرجع تأثيره إلى شيئين أولا البيئة، ثانيا الأخلاق، والبيئة تؤثر على الفرد فقد ينشأ الإنسان في بيئة يغلب عليها طبع الإنتهازية و الفوضوية فيصبح شخص فوضوي ويقل الوازع عنده ومحاسبته لنفسه فيبدأ ينعدم الضمير لديه، وعندما ننظر للمجتمع ككل فغياب الضمير لدى الفرد يعني غيابه لدى المجموع من الناس.
وأضاف “أمير.ش” إنعدام الضمير يعتبر باب كل شر، ومن إنعدم ضميره إنعدمت أخلاقه، فلا أخلاق بدون ضمير، ويبدأ إنعدام الضمير من المنزل المدرسة، فهو ناتج عن عدم وجود تربية سليمة، فلو عامل الأب ضميره، وعامل المعلم ضميره لتربى النشئ على ذلك.
وذكرت “سارة.م” إنعدام الضمير أكثر من يتضرر منه هم أقل طائفة في المجتمع، وعلى هذا لو إنعدم ضمير المسؤولين حتى أقل مسؤل أو صاحب وظيفة، فإنه يؤدي إلى أذى الفقير أولا، وإنتشاره بين جميع الطبقات أدى إلى تحول ناس بلا رحمة ولا خير، و إنعدام الضمير يأتي بالتدريج مع كل الطباع التي ليس لها علاقة بالفطرة السليمة.
ويعتبر موت الضمير أو غيابه من أبرز المشاكل التي تواجه المجتمع، فلذا يجب علينا أن نتكاتف جميعا حتى نوأدها، فلو بدأنا على المستوى الفردي، فنقول أنه يجب أن يكون هناك تربية داخل الأسرة على السلوكيات السليمة، وهذا يكون علاج أساسي لكنه يتطلب صبر وإهتمام على مدى سنوات طويلة، فالنشأة أهم شيء لجعل الفرد يسير على الطريق الحق ومراعاة الله في أفعاله، كما أن دور المعلم كبير في هذه التربية والنشأة السليمة، فمراقبة المعلم لطلابه تجعلهم يراعون ضمائرهم، فالعلم دوره عظيم في مراقبة أسلوب الطالب.
وفي نفس السياق يعتبر الدور الرقابي المجتمعي عظيم أيضا، فإذا تم تعزيز الثواب والعقاب على مستوى المجتمع على الجرائم الإدارية وتم تفعيلها بشكل منطقي، وهو إعطاء المواطن حد أدنى من الحياة الكريمة ثم وضع ثواب وعقاب، فالمحاسبة تنشئ شيء من الوعي والضمير رغم سوء المجتمع، وإنتشار إنعدام الضمير يدعو إلى أنه يوجد خلل في المجتمع يجب إصلاحه، فإن هذا الشخص إذا وجد عقاب فهذا يجعله لديه ضمير رغم أنفه، فهذه تعد جوانب متعددة، ويجب أن نتكاتف جميعا حتى نرجع الأمر إلى صوابه.
فالضمير يعتبر شعور حسي غير ملموس يوجد بداخل القلوب،زرعه الله في قلوبنا لنميز بين الحق والباطل، فيجب على الفرد الحفاظ على هذا الجوهر الداخلي ومراعاة الله في كل الأفعال، وحتى تصبح مجتمعاتنا أفضل.
2020-01-28