حوار خاص مع الأستاذ الدكتور “رضا أمين”
في تحقيقات وحوارات
413 زيارة
عميد كلية الإعلام جامعة الأزهر حول دور كلية الإعلام في محاربة الإلحاد والفكر المتطرف
حوار:أحمد العش
تعتبر ظاهرة الإلحاد واحدة من أخطر الظواهر السلبية المنتشره في عصرنا الحديث، والتي لا تقل خطورة عن ظاهرة الفكر المتطرف، فكلا الظاهرتين تفتك بالمجتمع وتعمل على إفساد شبابه، وتأخذ بأيديهم إلى طرق ظلامية لا يجنون منها إلا الشرور والآثام، كلا الظاهرتين تستند على أفكار وأسس ضالة، يقوم على إعدادها أناس مختلين ومن ثم يقومون ببث هذه السموم باستخدام شتى الوسائل المتاحة والتي قد يكون من أهمها (New Media) أو الإعلام الجديد.
ومن أهم الأسلحة التي يجب أن تتسلح بها المجتمعات إذا أرادت أن تتصدى لتلك الظواهر الخطيرة هو سلاح الإعلام، فالإعلام هو أحد أهم عوامل تكوين الوعي عند أفراد المجتمع، لذا يجب أن تتوافر فيه شروط الإعلام الوسطي المستنير، حتى يتمكن من تحقيق أهدافه ولعل أعظم تلك الأهداف هو توعية المجتمع والقضاء على كل فكر ضال يعيق تقدمه، الأستاذ الدكتور “رضا عبدالواجد أمين” عميد كلية الإعلام جامعة الأزهر، في حوار خاص لجريدة (الدولة الآن) أجاب فيه عن بعض الأسئلة المتعلقة بتلك القضايا على النحو التالي:
س: بداية ما هو مفهوم الإلحاد؟
أجاب:الملحدين هم طائفة من الناس يعتقدون بعدم وجود إله لهذا الكون ويطلقون على أنفسهم (اللادينيين) فهم ينكرون جميع الأديان والكتب السماوية، فالإلحاد ليس معناه إنكار الدين الإسلامي فقط ولكن الملحد ينكر جميع الأديان التي تدعوا لوجود خالق لهذا الكون، وهؤلاء الطائفة تتخذ من مواقع التواصل الإجتماعي منابراً لهم لنشر أفكارهم بين الشباب بمختلف مراحلهم العمرية، بهدف تشكيكهم في دينهم ونشر الأفكار الهدامة بداخلهم.
س: في رأيكم سعادة العميد ماهي الدوافع التي قد تصل بالفرد إلى القول بعدم وجود خالق؟
أجاب: أنا أرى أن الدوافع متنوعة وكثيرة ولعل منها ما هو متعلق بالشخص نفسه من حيث سلامة قواه العقلية وصحته النفسية وفهمه الصحيح لدينه إلى آخره، وهناك أسباب متعلقة بالبيئة التي ينشأ فيها الفرد، فعلى سبيل المثال وسائل التواصل الاجتماعي والتي هي من عوامل التنشئة الاجتماعية، من الممكن أن تكون بيئة خصبة لنشر الأفكار الضالة وتسميم عقول الشباب والدفع بهم إلى هاوية الإلحاد، وبعض الأسباب من وجهة نظري ترجع إلى سهولة وصول مثل هؤلاء إلى الشباب، وذلك عن طريق وسائل التواصل المختلفة الأمر الذي قد يسهل على أي ملحد القيام بمهامه ونشر أفكاره.
س: في نظر البعض أن الإلحاد هو حرية معتقد ما هو ردكم على هذا الادعاء؟
أجاب: هذا الادعاء غير دقيق وذلك لأن فكرة الإلحاد نفسها تخالف المنطق لسببين أولاً؛ ولله المثل الأعلى إذا كان هناك أب يعول أسرة مكونة من مجموعة من الأبناء يقوم برعايتهم وتوفر كل سبل الحياة الكريمة لهم، ثم يأتي بعد ذلك هؤلاء الأبناء ويقولون نحن لا نعترف بوجود أب هذه المسألة عكس المنطق، وطبعاً هذا قياس مع الفارق فلله المثل الأعلى إذا كان هذا الكون بكل ما فيه من ظواهر معقدة جداً وقمة في الدقة، وبعد ذلك يأتي أحد ويقول إن هذا الكون هو من خلق نفسه بنفسه فهذا درب من الجنون، ثانياً؛ الذين يشهرون مسألة الإلحاد من أراد أن يلحد فليلحد نحن لا نحارب فكراً أو معتقد قال تعالى:(وَقُلِ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُر)، نحن نحارب من يعبثون بعقول الشباب، ويجب على قادة الرأي أن يحاربوا ويقفوا ضد تلك الأفكار، وذلك لأن مهمة قادة الرأي في كل زمان ومكان هي التصدي لكل فكر ضال من الممكن أن يفت في عضد المجتمع مثل:التشدد والإرهاب وغيرها.
س: ما هو تعريف الفكر المتطرف، وكيف يصل الشاب إلى هذه المرحلة؟
أجاب:الأفكار المتطرفة هي مجموعة من الأفكار التي تخرج عن الطريق الوسطي المستنير التي أتت به الشرائع السماوية بسبب الفهم الخاطئ لبعض النصوص، ففي الشريعة الإسلامية يقول الله تعالى:(وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً)، فالوسط دائماً كما يقول الفلاسفة هو الفضيلة وهي وسط بين متطرفين، لذا جاءت الشرائع السماوية لتخرج الناس من ظلمات الجهل والتشدد إلى نور الوسطية والاعتدال، لذلك من يعرف دينه جيداً فلا يمكن بأي شكل من الأشكال أن يقع في شَرَك التطرف لأنه منبوذ من كل الأديان، وحينما نتصفح التاريخ نجد دولة الإسلام التي آخا فيها الرسول صلى الله عليه وسلم بين المهاجرين والأنصار في المدينة المنورة، لم نرى في هذا العصر أحداً متشدداً أو متطرفاً وذلك لأنهم كانوا يفهمون دينهم فهماً صحيحاً خالٍ من التشدد والتطرف.
س: ما هو دور كلية الإعلام جامعة الأزهر الشريف في محاربة الإلحاد والفكر المتطرف؟
أجاب: أريد أن أقول لك معلومة تاريخية وهي أن كلية الإعلام جامعة الأزهر أنشئت في الأصل لمحاربة الإلحاد والفكر المتطرف ونشر صحيح الدين، ففضيلة الإمام الأكبر الدكتور “عبدالحليم محمود” شيخ الأزهر الأسبق (رحمه الله) هو من أصدر قراراً بإنشاء قسم للصحافة والإعلام في جامعة الأزهر سنة “1972م” كان الهدف الرئيسي من هذا القرار هو تأهيل إعلاميين قادرين على نشر الحقائق والتصدي لموجة الإلحاد التي ظهرت آنذاك، فكلية الإعلام بإعتبارها إحدى كليات جامعة الأزهر رسالتها هي نشر المعرفة ونشر العلم وإنتاج البحوث العلمية التي تسهم في تنمية المجتمع، وفي نفس الوقت نشر المعرفة الدينية السليمة وفق المنهج الوسطي الذي أتى به القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة.
س: هل المناهج الدراسية التي تدرس في كليات الإعلام المختلفة كافية لتأهيل إعلامي قادر على مواجهة تلك الأفكار؟
أجاب: دعني أحدثك عن مناهج كلية الإعلام جامعة الأزهر باعتباري عميداً لها، فأنا أعتقد أن المناهج التي يتم تدريسها لطلاب كلية الإعلام جامعة الأزهر كافية تماماً لأن تجعل منهم إعلاميين قادرين على التصدي لمثل هذه الأفكار الضالة، نظراً لما تتميز به تلك المناهج من إلمام بشتى مناحي الحياة وتستند أيضاً على كتاب الله والسنة النبوية الصحيحة، والتي بدورها تصنع إعلامياً واعياً قادراً على مواجهة تلك الشطحات الفكرية والعقائدية بالأساليب الدينية والعلمية القويمة.
س: ما هي الاستراتيجية التي يجب أن يتخذها الإعلامي عند تناول مثل هذه الظواهر؟
أجاب: يجب على الإعلامي أن يكون واعياً بدرجة كبيرة حينما يتناول مثل هذه القضايا، وذلك لأن المعركة الحقيقية التي يواجهها مجتمعنا في هذا العصر هي معركة وعي من الدرجة الأولى، وأنا أرى أن أنسب إعلامي لديه القدرة على مواجهة هذه الأفكار هو خريج إعلام الأزهر، بحكم هذه الخلفية الثقافية الدينية والمعرفية التي تمكنه من فرز تلك الأفكار وتميز الغث فيها من الثمين، بحكم أنه يحفظ القرآن الكريم ولديه اطلاع على عدد كبير من الأحاديث النبوية ودراسة العقيدة الصحيحة وفق المنهج الوسطى المعتمد في الأزهر الشريف، فهو بذلك أقدر على تناول مثل هذه الموضوعات، وحينما يناقش مثل هذه القضايا فعليه أن يبين للناس مناطق العوار فيها، فما أقام التشدد يوماً دولة ولا أقام حضارة والتاريخ شاهد على ذلك.
س: ختاماً كيف يتصدى المواطن العادي لمثل هذه القضايا؟
أجاب: أعتقد أن إخواننا الذين يعيشون في الأحياء والنجوع يعرفون الحق من الباطل، وأنا أرى أن تلك الأفكار لا تشكل خطورة عليهم لفطرتهم السليمة والموروث الفكري الصحيح الذي لديهم، وإن كان هناك خطورة فالخطاب الديني المعتدل الذي تقوم عليه وزارة الأوقاف كافٍ جداً لجعلهم في مأمن عن هذا الأمر، الخطورة من وجهة نظري تقع على فئة الشباب، وذلك لأن النمو العقلي عندهم ليس ناضجاً كفاية فلربما يسمعون مقولة من هنا أو هناك تشككهم في معتقداتهم، لذا يجب على منصات الوعي أن تحتضن هؤلاء الشباب وتناقشهم في تلك الأفكار، ومن حسن الحظ أن مؤسسة الأزهر الشريف جامع وجامعة ومجمع البحوث الإسلامية وغيرهم من المؤسسات تنشط في هذا الجانب والحمدلله، لذا أقول بأن مجتمعاتنا الشرقية بشكل عام ومجتمعنا المصري بشكل خاص من المجتمعات التي تعطي التدين قيمة كبيرة، وبالتالي تتحطم كل محاولات نشر هذه الأفكار المغلوطة أمام صخرة التدين والوعي المنتشر في مجتمعنا المصري بفضل الله تعالى.
2022-02-23