حياة كريمة ليست مجرد اسم لمبادرة، بل هي عبارة تلخص رحلة الإنسان سعيًا وراء تلك الحياة لنيلها، والتخلص من مستنقع العشوائية، فتعرف المناطق التي أُقِيمت بالجهود الذاتية من قِبل سكانها بدون تخطيط أو ترخيص بالعشوائيات، والتي ظهرت في أوائل القرن الـ”20″ إثر قيام سكان الريف بالهجرة للحضر، سعيًا وراء فرص العمل التي تمركزت آنذاك في العاصمة، تاركة باقي القرى في المحافظات بدون خدمات تُذكر.
مع تنامي السكان في العاصمة، وعجز السكن المتوفر على تغطية الطلب بجانب ارتفاع سعره، لجأ المواطنين إلى بناء بيوتهم بأنفسهم في وسط المدينة وأطرافها على الأراضي الزراعية والأراضي المملوكة للدولة بدون ترخيص رسمي وبدون تخطيط مسبق لذلك، مما أسفر عن ظهور بيوت غير آدمية وغير آمنة تفتقر للخدمات التي يحتاجها أي مواطن.
بمرور الزمن توسعت العشوائيات لتشمل جميع المحافظات، خاصةً مع عدم إتخاذ أي إجراء قانوني ضد تلك الظاهرة، والاستخفاف بها وبآثارها من انتشار الجرائم والبلطجة والتلوث وانتشار الأمراض وانخفاض مستوى التعليم وغيرها من الآثار السلبية، بجانب سوء المظهر العام الذي أحاط بالعاصمة وما حولها، وفي القرن الـ”21″ بدأت الدولة في التحرك نحو القضاء على تلك الظاهرة، مدركة خطورتها الشديدة على المواطنين وعلى الدولة تبعًا، فقامت بوضع خطة للعمل على ملف تطوير العشوائيات والقضاء عليها تمامًا بحلول عام “2030”، وذلك عن طريق إعادة تخطيط المناطق الآمنة منها ولكنها غير مخططة عمرانيًا، والقضاء على المناطق الغير آمنة وإنشاء محلها مناطق آخرى مخططة وآمنة تصلح للحياة الآدمية.
كما عملت على إنشاء مناطق جديدة على أراضي جديدة لاستيعاب الزيادة السكانية، وتوفير فرصة للشباب للحصول على سكن اقتصادي بالتقسيط وبسعر معقول مقارنة بالسوق، مع التأكد على توفير كافة الخدمات التي يحتاجها المواطن من بنية تحتية وفرص عمل ووسائل مواصلات وتمهيد للطرق وغيرها من الاحتياجات في جميع المحافظات، لضمان عدم تكرار سبب تلك الظاهرة من الأساس.
بالنظر إلى ذلك قد يتضح أن التحدي الوحيد في تلك الخطة هو إمكانية توفير الموارد المادية اللازمة لتنفيذها، ولكن في الحقيقة هناك تحديات آخرى متعلقة بالمواطنين الساكنين في تلك المناطق، فمنهم من هو متمسك بمحل سكنه بشكل كبير ويرفض تركه لتطويره بشتى الطرق كحي مثلث ماسبيرو، فقد عانت الدولة مع سكانه على مدار “13” عام إثر عجزها على توفير التعويضات التي يحتاجها الأهالي لترك المنطقة للعمل على تطويرها، حتى تم وضع خطة متضمنه “ثلاث” بدائل للسكان من حيث إمدادهم بمساكن بديلة، أو بتعويضهم بمبلغ إيجاري شهري موقتًا حتى يتم تطوير المنطقة، أو تعويضهم ماديًا عن مسكنهم، وتلك هي الطريقة المتبعة من جهة الدولة عند تطوير أي منطقة عشوائية، فالأمر لا يتم بالإجبار بل بالتفاوض.
من التحديات الآخرى المتعلقة بتلك الخطة هي الروابط الإنسانية بين سكان المناطق العشوائية وطبيعة حياتهم وعملهم، فيصعب على الإنسان ترك ذلك كله والانتقال لمكان جديد، ولحل ذلك عملت الدولة على سؤال المواطنين في المناطق التي سيتم تطويرها عن احتياجاتهم في المناطق الجديدة لتوفيرها لهم، فالمواطن إذا لم يجد راحته وروابطه في المكان لن يسكن فيه.
ولضمان الحفاظ على تلك الجهود المبذولة وعدم عودة العشوائيات يظهر التحدي الأخير وهو تحدي ما بعد التطوير، فيلزم وضع قوانين تتضمن شروط البناء، كما يلزم وضع رقابة على المناطق الجديدة للحفاظ عليها وإصلاح الخسائر الحادثة بها من الاستخدام الآدمي، وبذلك يكون تم تحقيق جميع الشروط التي تضمن للمواطن حياة كريمة.