كتبت :هبة عثمان
بعد تحليل الوضع الاقتصادي الحالي يتضح أنه على مدى السنوات القليلة الماضية، قامت السلطات السابقة بإخفاء الحجم الحقيقي للمشاكل الاقتصادية في البلاد. وبدلاً من اتخاذ قرارات واقعية ومنظمة تتطلب الكثير من الجهد، استخدمت السلطات في معظم الأحيان أسهل طريقة، حيث قامت بطباعة أموال ليس لها مقابل من الاحتياطي بالبنك المركزي مع الحفاظ على مستوى عال من الإنفاق الحكومي، فالتجربة الدولية تبين أن هذا النهج قد أدى بالفعل إلى انهيارات اقتصادية بالبلدان الإفريقية.
إن اتخاذ العقوبات الاقتصادية والتراجع في عائدات النفط بعد انفصال جنوب السودان كمبرر للوضع الاقتصادي أمر غير صحيح، ولكن لا يلغي أن هناك تأثيرا سلبيا كبيرا لهذه العوامل على مستوى التنمية الاقتصادية في السودان .
عدد الدكتور “إبراهيم محمد آدم” استاذ الاقتصاد بالجامعات السودانية أسباب الأزمة الاقتصادية بقوله : من الأسباب الرئيسية للوضع الاقتصادي الحالي – الكفاءة المنخفضة على مستوى إدارة الدولة ، عجز الموازنة العامة للدولة على المدى الطويل، التي تم تغطيتها بطباعة العملة، عدم الكفاءة والإنفاق المبالغ به في بعض المصروفات الحكومية، انخفاض الإيرادات الحكومية وعدم كفايتها (انتشار ممارسة التهرب الضريبي من قبل دافعي الضرائب)، فضلا عن تعذر الوصول لسوق القروض الأجنبية واستفادة السوق المحلي من القروض الحكومية الذي لا يسمح بتغطية عجز الموازنة بالمبالغ المطلوبة بطرق غير تضخمية ، ويضيف أن المديونية الكبيرة للدولة مع استمرار وجودها في قائمة الدول الراعية للإرهاب لا يترك مجالا سوى الاعتماد على الموارد المحلية والمساعدة المحدودة من الدول الشريكة.
فيما أشارت تقارير اقتصادية ومالية الى أن عدم تغطية العجز التجاري بأي من بنود حساب العمليات الجارية هو السبب الرئيسي لشح العملة الأجنبية في الدولة، كما أوضحت ايضا أن من الأسباب الرئيسية للوضع الراهن، ان مستوى التنمية في قطاع الصناعة التحويلية غير كاف بجانب انخفاض القيمة المضافة لسلع الصادر مع ارتفاع مستوى التهريب بما في ذلك تهريب الذهب.
وأرجعت هذه التقارير أزمة السيولة في النظام المصرفي نتيجة لطباعة العملة من غير مقابل باحتياطي للعملة المحلية من أهم العوامل في نمو التضخم، الذي وصل معدله إلى ٧٢.٩% في العام ٢٠١٨ (أحد أعلى المعدلات عالميا).
بينما قامت الحكومة السودانية بمحاولة للسيطرة على معدل التضخم، بمنع عملاء البنوك من سحب السيولة؛ مما أدت هذه الخطوة الى إضعاف ثقة المواطنين في النظام المصرفي، وأصبحت الدافع لنشوء السوق “الاسود” للسيولة، في حين كانت المبالغ التي تسحب من الحسابات المصرفية لا يتم إعادة تحويلها الى النظام المصرفي بل يتم استعمالها في مضاربات السوق الأسود، ونتج عن ذلك أن السلع والخدمات التي لا يتم محاسبتها نقدا تكون أغلى بـ ١٠ الى ٢٠% من سعرها نقدا، الأمر الذي أدى الى نشوء طبقة جديدة من الوسطاء مقدمي خدمات سحب السيولة من الحسابات البنكية، وبالتالي فإن هذه الظروف الصعبة والحواجز الإدارية العالية التي تواجه الأعمال الصغيرة والصغرى والمتوسطة أضعفت قدرتها الاقتصادية وساعدت على انهيارها .
إن التغلب على الأزمة الاقتصادية والمضي قدما نحو النمو الاقتصادي يتطلب وضع برنامج إصلاحات على نظام الدولة بصورة كلية؛ مع مراعاة أن بعض القرارات القسرية مكروهة وتؤثر على قطاعات واسعة من المجتمع السوداني.
ويتطلب معالجة الأزمة الاقتصادية في السودان تنفيذ برنامج الإصلاحات في المجالات الرئيسية أمرا ضروريا – بحسب رئيس حزب الدعم الوطني اللواء محمد الحسن خالد الذي يقول إنه لابد من طرح إجراءات الإصلاح الاقتصادي للنقاش على نطاق واسع من المتخصصين المحليين بغض النظر عن آرائهم السياسية في مؤتمر محلي وطني .
كما أن فترة مناقشة وتطبيق الإصلاحات يجب أن تصاحب هذه المعالجات حملات إعلامية واسعة النطاق بغرض التوعية لكل من عامة الشعب ومجتمع المتخصصين، وفي المقام الأول أن تكون حول الأهداف والآثار المتوقعة من التطبيق ، خاصة وأنه في الأزمات الاقتصادية يكون من مصلحة الدولة أن توحد كل معرفتها وخبراتها والتجارب العالمية في إصلاح الاقتصاد ، وبالتالي فإن تطبيق مقترح معالجة الأزمة الاقتصادية يجب أن يتم بمجمله تحت برنامج قومي موحد ، وأن تطبيق جزء منفرد سيؤثر سلبا على المردود الإيجابي المتوقع من تطبيقه، ولكن في نفس الوقت، فإن تطبيق مقترح الموازنة والضرائب يمثلان الأولوية.