بقلم / هدير الحسيني
مجال ” التربية الخاصة ” والذي يندرج تحته الكثير من المجالات والتخصصات ومنها مهنة أخصائي تعديل السلوك وتنمية المهارات ، وأيضاً أخصائي التخاطب ومجالات آخري ظهرت مُجَدداً في هذا المجال ومنها العلاج الوظيفي والتكامل الحسي وغيرها من التخصصات تندرج تحت هذا المجال .
وهذا المجال ليس فقط مجرد عمل جلسات للأطفال وليس مجالاً مُربح كما يظُن الكثير من الناس عنه إنما هو مجال تتعلم فيهِ الكثير من الأشياء والمهارات قبل التي تُعلمها للأطفال ، تتعلم فيهِ كيف تكون صبوراً معهم وتشكر الله علي كل ما أنعم بهِ عليك ، تشكر الله علي نعمة الكلام وعلي التحكم في ردود الأفعال تشكر الله علي كل ما فيك من مهارات وعلي كيفية رعاية الذات .
كما أنكَ تتعلم فيه أشياءً تخُص العمل مع الطفل تتعلم كيف تفهم وتحس وتتقبل كل طفل كما هو بعيوبه وسلوكه مهما كانت سيئة تتعلم فيهِ كيف تعمل بحُب وود ، لأن هذا المجال يحتاج فيهِ الحب والتقبل قبل امتلاكك للعلم وفنيات العمل التي تُطبقها مع الطفل .
فهذا المجال هو مجالاً صعب مجالاً تحتاج فيهِ للتطوير الدائم من نفسك لكي تستطيع حقاً أن تتواصل وتضع نفسك في عُمر وحالة كل طفل تتعامل معه وليس فقط تحقيق أهداف ، مجالاً لابد فيهِ أن يكون لديك درجة عالية من الأمانة وتحمُل المسؤلية بشكلاً جدياً لأنكَ مسؤلاً عن كل طفل تعمل معه وسوف تُسأل عنه أمام الله تعالي يوم القيامة ، مجالاً يحتاج أن يكون لديك شعور الحب والقبول إلي أقصي حد وأن تشعُر الطفل بهذا الحب والقبول منكَ لديهِ مهما كانت حالته ومهما كانت أفعاله لكي تُحقق وتُنجز معه ما تُريد تحقيقه ، والأهم من هذا لأنه إنسان ولابد أن تُشعره بأنه شخصاً طبيعياً وليس مُعاقاً أوبهِ عيب ، فأننا أصبحنا نسخر من الإنسان ذاته ولم نفهم أن سلوكه السئ قابل للتغيير للأفضل إذا أردنا هذا بالفعل ، أصبحنا نسخر من إعاقته أو إضطرابه وكأنه وباءً نُريد الإبتعاد عنه ولم نُدرك أن هناك إضطرابات تُصيب الإنسان تجعله يفعل أشياءً من غير وعي منه وخارجة عن إرادته ، فمجتمعنا في الحقيقة مُعاقاً في قلبهِ والكثير منا بلا رحمة أو رأفة بغيرهِ .
ومن أبشع ما سمعت أن هناك أباءً عندما يرزقكم الله بطفلاً كهذا يبتعدون عنه ولم يتقبلونه بإضطرابه ولا يحاولون مساعدته لكي يكون أفضل ، ولم يدركون أن الإعاقة أو الإضطراب لا تكون نهاية الإنسان وهناك الكثير من الشخصيات من ذوي الإحتياجات والإضطرابات أثبتوا ذلك من خلال إنجازاتهم ونجاحاتهم .
فنحن قد سمعنا في الأونة الأخيرة عن أوائل الثانوية العامة وكان منهم الطالب “مروان وحيد حامد ” الأول علي محافظة الشرقية شعُبة علمي رياضة بالرغم من إصابته بإضطراب التوحد ، كما نالت الطالبة ” دينا عادل السيد ” المركز الأول ” شعُبة علمي علوم وأيضاً مُصابة بإضطراب التوحد .
كما نسمع عن مشاهير في العلم والأدب والتكنولوجيا ربما لم نعرف أنهم كانوا يعانون من إعاقات ولكن الله تعالي يخلق من المحنة منحة ويجعل وسط الظلام نوراً وأملاً نتحلق بهِ لنري مستقبلاً أفضل لنا ولغيرنا ، ومن هؤلاء المشاهير الكاتب والأديب ” مصطفي صادق الرافعي ” من أشهر الكتُاب والأدباء والذي أبهر الكثير بكتاباته الرائعة أصيب بالصمم الكلي في الثلاثين من عمره ومع ذلك هذا لم يمنعه من ممارسة هويته وكتاباته المبدعة .
ونتطرق في الحديث عن العالم ” توماس إديسون ” والذي كان يُعاني من صعوبات في التعلم وبطء في الكلام ولهذين السببين جعلتاه فاشلاً دراسياً ولكن بالرغم من هذا أصبح من أشهر المخترعين في التاريخ بإختراعه للمصباح الكهربائي .
ولا بد أن أتحدث بخصوص هذا الموضوع عن ” بيل جيتس ” صاحب شركة مايكروسوفت العالمية والذي أحدث طفرة في مجال التكنولوجيا والبرمجة ، أثبتت الفحوصات الطبية أنه لازال يُعاني من عارض ” متلازمة أسبرجر ” وهو أحد أعراض إضطراب التوحد ، وقد ذُكرت مصادر أنه منذ طفولته كان فضولياً وربما هذا الفضول جعله يبتكر في مجال التكنولوجيا ويؤسس شركة مثل هذه .
كل الذين تحدثت عنهم وغيرهم كُثُر أثبتوا لنا جميعاً أن إضطرابهم لم يجعلوه سبباً لفشلهم بل العكس استطاعوا أن يحققون نجاحاً باهر ولم أقول بأن هناك أشخاصاً لم يصيبهم شئ وبرغم ذلك عاجزون عن فعل هذا ، ولكن الذي أود أن أقوله حقاً أن الإنسان عندما يُريد شيئاً بعقله ووجدانه وكل ما فيهِ سوف يكسر ويهزم أي حاجزاً أمامه مهما كان مليئاً بالإشواك ، فإذا أردت أن تصنع المعجزة فاصنع نفسك هذه هي المعجزة التي يغفل عنها الكثير من الناس فكل شخص يبحث عن الإنجاز ولم يُدرك أنه إنجازاً في حد ذاته لم يُدرك أنه من أفضل مخلوقات الله عزوجل وجعله خليفة في هذه الأرض لديهِ رسالة لابد أن يوصلها للعالم مهما كان الحال الذي أصابه ، فالمعجزة تجدها في نفسك وليست في شيئاً آخر غيرك .