المقاهي تغزو شوارع القاهرة
في تحقيقات وحوارات
788 زيارة
كتبت: تريزا حشمت – ميرفت أشرف
في بداية القرن ال”16″ الميلادي ، شهدت مصر حدث كبير قد آثار جدلاً فكريًا وفقهيًا واسعًا، وذلك إثر وصول أول شحنة من البن اليمني “القهوة” إلى البلاد ، حيث انقسمت الآراء حول شرعية تناول مشروب “القهوة” ، وكان الناس يتناولون هذا المشروب في السر خوفاً من المفتي ، إذ كان يُقبض على كل من يشرب القهوة ويقدم للمحاكمة، واستمرت “القهوة” تشرب في تلك الفترة بمكان سري أطلق عليه “مقهى” نسبة إلى المشروب، وبعد التصريح بشرب “القهوة” في العلن فقد أخذ “المقهى”شكل مبنى بسيط توضع فيه منصات خشبية لإعداد المشروبات وتفرش عادة بالحصر والأبسطة الصوفية (الكليم)”.
والجدير بالذكر أن “المقاهي” كانت معدة قديمًا لجلوس الأدباء والمفكرين ، وخلال فترة الثمانينات كان يوجد “مقهى” متخصص لبعض الألعاب مثل “الشطرنج” ، وآخر للعبة “الضومنة” ، وكان يتم العديد من الدورات والمسابقات داخل “القهوة” ، وكان “المقهى” يقتصر الجلوس على كبار السن والبالغين.
ولكن ثمة ظاهرة غربية منتشرة حاليًا وتقلب فى الأحوال حيث أنك تجد “المقاهي” ممتلئة بطلاب المدارس والجامعات ومختلف الفئات بعد أن كانت مقتصرة على فئة معينة ولأغراض محددة ، وتجد “مقاهي” للمواهب كالغناء والكتابة والرسم مثل مقهى “زهرة البستان”.
وبعدما صار عدد المقبلين على التواجد داخل “المقاهي” لا حصر له ، فبدأت “المقاهى” بالتنافس مع بعضها البعض على جلب أكبر عدد من الطلبة والشباب بمختلف الطرق ، وحيث أننا شعب يهوى التقليد الأعمى دون النظر أو التفكير ، وأصبح مشروب “القهوة” عادة يمارسها الشباب ويتناولونها كل صباح، نظرًا لمشاهدتهم مواقع التواصل الإجتماعي المختلفة والتى تشجع على تناول تلك المشروبات ، بالإضافة إلى أن بعض الشباب والفتيات يجدون متعه كبيرة للجلوس على “المقاهى” وتناول المشروبات ، وأصبحت تلك الظاهرة تجذب الإنتباه بشكل كبير.
كما توجهت جريدة “الدولة الآن” لرصد آراء بعض الشباب والفتيات بخصوص تلك الظاهرة ، وبسؤال أحد الجالسين على “المقهى” عن سبب جلوسه ، فقال : نقضي معظم الوقت نتيجة للبطالة ونظرًا للحالة الإقتصادية التي تمر بها البلد و لإلتقاء الأصدقاء ، وحيث حدث تغيير في الألعاب “الفيديو جيم” مثل “البلاي ستيشن” ،بالإضافة لتواجد عدد من عربيات للأكل مثل (الكبدة والسجق) وعربيات “الوافل”، حيث أن الشباب بدأوا بالجلوس لفترة أطول على المقاهي.
وبالتوجه لشخص آخر يدعى “ع . ج” ، طالب بالثانوية العامة ، “15”عامًا ، فذكر أنه ينفق مايقرب من”15″جنيه ويعتاد على الجلوس من مرتين إلى ثلاث مرات بالأسبوع ، وأن أصدقائه يذهبون حوالي يومين ، ليصل قيمة ما يتم دفعه للمقهى نحو “200”جنيه في المرة الواحدة.
وعندما سألت جريدة “الدولة الآن” عن الموضوعات التي يتناولونها أثناء الجلوس على “المقاهى” ، فقال أحد الجالسين يمكننا التحدث عن حال البلد أو الرياضة أو مشاكلنا بشكل عام أو موضوعات أخرى.
وكما أن الرياضة تشغل حيزًا كبيرًا من التفكير، لا سّيما أن هناك مباريات مهمة وبطولات ولا يمكن مشاهدتها بالمنزل ، لأن تلك القنوات لها اشتراك خاص ، بالإضافة إلى أن الجو العام بالمقهى يعطي للمباراة روح التشجيع، فيبدأ الشباب بالحديث عن التوقعات وتشكيل الفريقين والنتيجة، وقد يصل الأمر إلى التحدي ومرات تحديد من سيسجل الأهداف.
أما لو تحدثنا عن أحوال البلد فلا يخلو الجلوس في المقهى من التطرق إلى أحوال البلد والتحدث عن الغلاء الذي أصاب كل شيء في الحياة، وقد يصل الأمر إلى السخرية على الأوضاع والظروف المعيشية ،و من المعروف أن المصريين من أصحاب النكتة ويعشقون الضحك ، ومن هنا يخروجون من جو الإكتئاب وظروف المعيشة الصعبة وبذلك يغيروا الحياة الروتينية.
وعلى جانب آخر تبدأ حوارات شخصية ونقاشات لكل شخص وكأن حياتهم الشخصية ليس لها أي خصوصية وما يعانيه كل شخص من عثرات مع فتاة أو زوجة ، ثم يقوموا بطرح المشاكل وحلولها من وجة نظر كل شخص منهم ، وكأن “المقاهي” هي مصلح اجتماعي ليجتمع عليها الشباب لحل أمورهم الشخصية.
ولوتكلمنا على تلك الظاهرة فلنسأل أنفسنا ، هل الجلوس على المقاهي حل لهروب الشباب من الواقع ؟ ، فبالطبع هناك سلبيات كثيرة يتعلمها الشباب من بعضهم لبعض وسلوكيات كثيرة خطأ ، لذلك لابدَّ من وجود رقابه للحد من تلك الظاهرة التي انتشرت بشكل كبير جدا ، فدور الرقابة حاليًا أصبح مختفي لكثرة عدد المقاهي.
وإن كانت تلك الأسباب هى السر وراء تواجد وجلوس الشباب على المقاهى ، فلما لا يوجد من يسمعهم مع ازدحام صراع الوالدين حول تدبير أسباب المعيشة أم الصراع على توفير احتياجات الأسرة اليومية أم عدم وجود الراعي لهؤلاء الشباب الذى يفهم حاجاتهم وما يحقق لهم الطمأنينة ،فهل يصبح المقهى هو مكان التنفيس عن التمنى والطموح ؟.
2018-12-27