أعراس الريف المصرى قديما :امتزاج الفرحة بالثقافة والأصالة والهوية
في الأسرة والمجتمع
7,740 زيارة
كتبت :أسماء البردينى
حينما تسمع طلقات رصاص متتالية تشق سكون الليل في واحدة من القرى المصرية مصحوبة بالزغاريد، فاعلم أنها بمثابة إعلان عن فرح جديد في إحدى العائلات، ويعتبر “ضرب النار” من الطقوس الأساسية في أعراس أهل الريف المصري بشقيه “الفلاحين والصعايدة”، التي تتميز أيضًا ببعض الخصائص التي تجعلها ذات طابع خاص، وتبدأ هذه الطقوس منذ قراءة الفاتحة على الفتاة المطلوبة للزواج ولا تنتهي إلا بعد مرور ما يقرب من 40 يومًا على زفاف العروسين.
والفرح الشعبي أو الفرح الريفي وجهان لعملة واحدة هي «الفرحة الحقيقية» سواء للعروسين أو الأهل، والفرحة هنا لا تقتصر على يوم أو ليلة واحدة أو فترة زمنية محددة كما هو الحال في أفراح المدينة التي تتم لساعات محدودة في القاعات والنوادي والفنادق، بل مراسم الاحتفال في أفراح الريف المصري تمتد لأيام وأسابيع وقد تصل إلى شهرين أو أكثر
“أيوة يا واد ياولعة.. خدها ونزل الترعة” وغيرها العديد من الأغاني التي تشكل وجدانا ثقافيا أصيلا لا تزال العديد من القرى لفلاحين مصر وصعيده تتمسك بغنائها وترديدها في الأفراح والمناسبات المختلفة فلكل مناسبة أغنية تعبر عن الحالة، الحنة، الأفراح، الخطوبة، قراءة الفاتحة وكتب الكتاب ومرورا بليلة الزفاف وصولا إلى يوم الصباحية وكذلك عما ترتبط به من معاني مثل “ياعريس ياغالي فرحة ومكتوبالي” و”حماتي يا نينة دلوعة عليا”.
ولا يوجد تاريخ محدد لظهور الأغاني إلا أنها تعود لعشرات السنين، ربما حتى وقت قريب لم يكن يخلو فرح أو مناسبة من هذه الأغاني قبل ظهور الدي جي، فتتجمع فتيات ونساء العائلة والقرية والأحباب والمهنئين ويلتفون حول سيدة كبيرة تمسك طلبة أو دف وتردد الأغاني ومن حولها الفتيات إما يرقصن ويرددن الأغنية مرتدين ملابس مبهجة تمتلئ بالألوان وأغطية الرأس الملونة أيضا وهو تراث وفلكلور متوارث من الجدات وعادة تنقل كلمات الأغاني من جيل للآخر.
تتألف الأغاني من كلمات بسيطة ليسهل حفظها وترديدها من الجميع وتعتمد على التكرار اللفظي وغالبا ما تصف جمال العروس وأصلها وأخلاقها وعراقة أسرتها، والفخر بالعريس وشجاعته وكرمه ونجاحه في اختيار العروس ذات الأصل العريق.
وإلى جانب أن التراث الشعبي يقدم لنا أغاني مبهجة في هذه المناسبات، فإن لها وظيفة اجتماعية حيث نجد الراوي الشعبي يعبر عن العريس والعروس، وحتى الزغرودة لها دلالة رمزية، ونجد مثلا في كتب الكتاب تشتهر أغنية مثل “كتبوا كتابك يا نقاوة عيني” التي تدل على اقتناع العريس باختياره.
رغم البهجة التي تنشرها هذه الأغاني وسهولة حفظها وتعبيرها عن كل حالة إلا البعض يعيب عليها جرأة كلماتها كون بها العديد من الايحاءات ، الأفراح الشعبية تبرز أجمل صور الفن الشعبي وتقدم صورة حقيقية لتلك الفنون.
الرقص لابد وأن يصاحب أغنيات الفرح على الموسيقى الإيقاعية، أوالإيقاع الموسيقى متمثلاً فى (الطبلة الفخارية) أحيانا، والتصفيق أحياناً أخرى إلى جانب الزغاريد النسائية حيث يصاحب أغاني الأفراح العديد من الرقصات الجماعية والفردية، يشكل الرقص لدى النساء أهمية كبرى في تلك المناسبة فهو حالة تعبيرية وعاطفية خاصة ترتبط بقيم وعادات موروثة في كل مجتمع محلي بما يعبر عن ثقافته لذلك تعبر المرأة سيدة كانت او فتاة او حتى طفله من خلال الرقص عما يجيش فيها من مشاعر وتفاعل خصوصا في الفرح.
وتتعدد العادات والطقوس المصاحبة لكل فعالية من فعاليات الفرح، فـقراءة الفاتحة» لها طقوس مختلفة عن “كتب الكتاب” عن “تنجيد الأثاث” عن غيرها من بقية الفعاليات، ولكل يوم من هذه الأيام طقوسه وأغنياته الخاصة النابعة من التراث الشعبي الأصيل والمعبرة عن فرحة العريس والعروس بإتمام الزفاف.
وعادة ما يختار العريس عروسه عبر “زواج الصالونات” من خلال ترشيح فتاة في سن مناسبة وظروف متشابهة للشاب بعدها يصطحب أهله ويذهبون لطلب يدها، فإذا حصل القبول تبدأ أولى خطوات الزفاف بـ “قراءة الفاتحة” وإطلاق الزغاريد، يتبع ذلك دعوة أهالي القرية والأحباب إلى المشاركة في “قراءة الفاتحة” بمنزل أهل العروس ويتم توزيع الحلويات والشربات على المشاركين.
وظهرت مؤخرًا عادة جديدة، فعقب قراءة الفاتحة وإشهار ارتباط العروسين يحرص أهل العروس على إعداد وليمة لأهل العريس يشارك فيها والداه وإخوته وأعمامه وأبناء عمومته وعدد من أصدقائه المقربين، بهدف زيادة التعارف بين العائلتين، وبعد تناول الوليمة هناك «نقوط» سواء مادية أو ذهبية يتم تقديمها للعروس من أهل العريس.
المهر والمؤخر
الاتفاق على المهر ومؤخر الصداق والأمور المتعلقة بجهاز العروسة من الطقوس المهمة في أفراح الريف، وعادة ما يتم الاتفاق عليها بحضور ممثل للعريس وآخر للعروس، بمشاركة شيخ القرية أو العمدة أو أي شخصية لها وزن اجتماعي وقبول بين العائلتين، ومن اللافت أن أهل العروس يحرصون في الريف كل الحرص على إجبار العريس على جلب أكبر قدر من المصوغات الذهبية وفي كثير من الأحيان تفشل بعض الزيجات بسبب عدم الاتفاق على ذلك الأمر، وفي حال إتمام الاتفاق بين العائلتين تتم كتابة “قائمة” بالأمور المتفق عليها ويوقع عليها العريس وتظل بصحبة والد العروس أو وكيلها بعد الزواج.
التنجيد والأثاث
طقوس الفرح في الريف تدخل حيز التنفيذ بإعلان موعد التنجيد وإحضار الأثاث، حيث يجتمع أهل العروسين للإعلان عن بداية الأفراح واقتراب موعد الزفاف وتقام لذلك فعالية خاصة أمام منزل العروس ويتم تنجيد المراتب والوسادات وغيرها من مكونات الجهاز بشكل يدوي من خلال فريق من المنجدين يتلقون «النقوط» من أهل العروسين ومن الجيران وحتى من بعض المارين في الشارع من أهل القرية من معارف العريس أو العروس، وخلال التنجيد تُسمع بعض الأغاني التراثية الخاصة بتلك الفاعلية.. ومنها: «يا منجد علي المرتبة الواد بيحب الشقلبة».
ثم تأتي ليلة (نقل الأثاث) من منزل العروس إلى عش الزوجية، فتنطلق الزغاريد والأغاني من فوق السيارات التي تحمل الأثاث ويبدأ الجميع في الغناء من حول السيارات فنسمع:
افرحي يادي الأوضة..جياكي عروسة موضة
ليلة “الحنة”
وتسبق ليله الزفاف ليلة الحنة التي تعد بروفة حقيقية لليلة الزفاف ولكن مع عدم وجود العريس
طقوس ليلة الحنة تبدأ من الصباح الباكر: زحام كبير من أقارب العروس في منزلها مع بداية الغروب وبداية ليل جديد تبدأ والدة العروس في إعداد إناء كبير توضع به الحناء بينما ينطقون كلمه الحناء (حنة) فور حلول الظلام تبدأ مراسم ليلة الحنة بتجمع عدد كبير من النساء وصديقات العروس ومطربة الليلة تكون هي أفضل امرأة في القرية تجيد الغناء وأغاني ليلة الحنة من الفلكور ليس لها مؤلف، بل هي من انتاج الطبيعة.
من الأغاني الفلكلورية التي ترددها النساء في الأفراح:
أهو جالك أهو، ريّح بالك أهو” وهي تحكي عن قدوم العريس لعروسه”وياللي على الترعة حوّد على المالح”
ومن طقوس الأفراح أن العروس تجلس مع صديقاتها تسترجع ذكريات الأمس القريب فهي تقضي ليلة وداع للذكريات الجميلة التي قضتها في منزل أسرتها أو مع صديقات الطفولة
بعض النساء تعتقد أن قرص العروس في ركبتها فأل حسن للبنات اللاتي لم يتزوجن بعد وكل بنت لم يتم خطبتها تقوم بقرص العروس في ركبتها عسى أن تلحق بها في نفس الأسبوع تصديقاً لما يَعِدُهن به المثل القائل:”اللي تقرصها في ركبتها تحصلها في جمعتها”
ثم يأتي دور الحنة إناء الحناء المزين بالشموع حيث تقوم بحمله سيدة من أقارب العروس تطوف به على كل الحاضرات من أجل وضع الحنة في الكف والقدم وبعد انتهاء البنات من وضع الحناء في القدم والكف تستمر الأغاني الخاصة بليلة الحنة حتى الساعات الأولى من الصباح وتختلف ليلة الحنة عند العريس عن العروس، فالعريس يقيم حفلاً سامراً بالمزمار البلدي يرقص الحضور عليه لعبة التحطيب وهي لعبة تمارس في أقصى جنوب مصر يلعبها الرجال الهدف منها اثبات القوة الجسدية
وفي صعيد مصرتختلف بعض تفاصيل ليله الزفاف حيث يعد العريس صباح ليلة الزفاف وليمة كبيرة لتجهيز العشاء لكل الحضور من المدعوين في أي أرض واسعة يقام عليها الاحتفال، وفي الغالب تكون ليلة قرآن كريم حتى تعم البركة على ليلة الزفاف أو يكون بحضور مطرب شعبي ينشد قصائد في حب الرسول – صلى الله عليه وسلم وهؤلاء المطربون اسمهم “المداحون”
وهناك وليمة أخرى يعدها والد العروس للحضور الذين حضروا لتقديم التهاني ويستمر إلى أن يحضر العريس لأخذ عروسه إلى بيت الزوجية وفي المساء يتوافد الشباب على منزل العريس بسيارات مؤجرة أو ملاكي من أجل اصطحاب العريس لاحضار عروسه
أحياناً يكون في موكب العريس أكثر من سيارة تسير في صف واحد وأنوارها توحي للناظر بأن ذلك الموكب هو موكب عروس يصل العريس إلى منزل العروس ويدخل على المكان الجالسة فيه عروسه ويتقدم نحوها ويمسك يدها وتسير معه إلى السيارة التي تقوم بتوصيلهم إلى منزل الزوجية وفي الأوساط الأكثر انفتاحاً، وهذا هوالشائع، يقام الفرح في منزل العروس أو عند منزلها ويجهز مسرح كبير ويعُد في صدر المسرح، أي مكان لجلوس العروسين معاً ويسمى هذا المكان (الكوشة) ويقضي العروسان ليلتهما مع المعازيم وبرنامج الحفل الذي يحييه فرقة أو بالجهود الفنية الذاتية لأصدقاء العروسين
وبعد انتهاء الاحتفال ينصرف العروسان إلى منزلهما وتذهب معهما لوداعهما عند باب المنزل مجموعة صغيرة من أهل العروسين، وتُعد أم العروس أو من يقوم مقامها عشاء العروسين وفي الغالب يتضمن العشاء زوجين أو أكثر من الحمام ويسمى عشاء العروسين ليله الزفاف (حلة الاتفاق)
هدايا الأهل تكون في شكل أموال للعروسين من أجل المساعدة، خاصة أن والد العروس يصرف مبالغ طائلة من أجل اتمام زفاف ابنته فهو يقوم بتأثيث منزل الزوجية كاملاً بعد أن يحصل على المهر من العريس ولكن العادات الاجتماعية في الأوساط الشعبية وفي الصعيد والريف ترسيخ قيم التكافل الاجتماعي وتقلل الآثار المادية المترتبة على ارتفاع تكاليف تجهيز العروس وتتمثل هذه العادات فيما يسمى بالنقوط الذي يدفع في الفرح أو يقدم لأهل العروسين أما أصدقاء العروسين فيقدمون هداياهم التي ربما تكون نقدية ( نقوط) إلى العروسين
الصباحية:
بعد انقضاء ليلة الزفاف يذهب الأهل في الصباح للتهنئة وتقديم الهدايا وتقدم ام العروس إفطاراً العروسين ورغم أن هذه الزيارة تحمل اسم”الصباحية” إلا أنها أصبحت لاتتم في الصباح كما كان يحدث فالأهل والاصدقاء يعرفون أن العروسين يحتاجان إلى مزيد من الراحة بعد إرهاق ليلة الفرح.
الأفراح قديما الريف المصري 2019-01-03