كتبت ايمان جابر
الأشياء ونمتلك تسهيلات كبيرة في الحياة، إلاّ أنّنا نعيش في زمن بلغ فيه النّفاق الاجتماعي أوجّه، فخسرنا بذلك قيّم وفضائل كثيرة أهمّها البساطة، لا نقصد هنا بساطة العيش فقط وإنّما البساطة في كل شيء، في العلاقات والتعاملات، البساطة في الروح، الأفكار، الفن، الإنجاز، الكلام والنقد، حتى البساطة في التغيير وفي الحب والأحلام، وباختفائها اختفت معها معاني المحبّة والنبل والإنسانية والعفوية والعلاقات العميقة والضحكات الصادقة، فصرنا نشتاق لكلّ ما هو بسيط بل أن مجرد الحنين لها يشعرنا بفرح داخلي وبلحظات سعادة جميلة، كون البساطة تجمِّل أي شيء تتخلّله أو تمتزج به.
لماذا أصبحنا نفكّر ونخطّط قبل التعامل مع الأشخاص؟ ونعدّ الحسابات حتى صرنا نتمنّى أن نكون مثل الأطفال في تصرّفاتنا، نقوم بكل شيء دون تفكير أو حساب وخوف من أن نفهم عكس ما نريد، يقول الفضيل بن عياض- رحمه الله ” إنما تقاطع الناس بالتكلّف، يزور أحدهم أخاه فيتكلّف له فيقطعه ذلك عنه” هكذا ابتعدنا عن البساطة عن حياتنا وصعّبْنا الأمور أكثر على أنفسنا، فحُرِمنا من نعمة البساطة وفقدنا نعمة الراحة معها.
الخوف من نقد الناس في حياتنا وفي علاقاتنا أجبر الفرد على ممارسة التكلّف والتصنّع وطغى التعامل الرّسمي وقيود المظاهر، فظهرت البساطة في ثوب السذاجة والتفاهة أحيانا أمّا التأليف والزيف فحذاقة وشطارة، حتى وإن اقتضى الأمر تحوّل الفرد إلى مهرّج أو مُمثّل غالباً ما يكون فاشلا، ولكم أن تتخيّلوا كم أن هذا متعب للنفس، في حين أن البساطة أرقى بكثير من أنك تُذوِّب نفسك في شخصية ليس لك ولا تليق بك أساسا.
يكفي أن تكون على طبيعتك دون بذل أي جهد منك لاكتساب محبّة النّاس، إن هم أحبّوك فبادلهم وإن لم يفعلوا فلا لوم على ذلك، المحبّة لا تأتي بالتصنع أو جبرا، فالتكلف والادّعاء بما ليس فيك مصيره سيُكشف وتجد نفسك في وضع لا تُحسد عليه على قول الفاروق: “من تزيّن بما ليس فيه شانهُ الله”، لذا لا داعي للخجل من حالتك فليس عيباً أو خطأً أن لا تكون من حالة غيرك، كل العيب هو أن تلبس ثوباً ليس ثوبك أو ليس على مقاسك.
“إنّما أنا ابن امرأة من قريش كانت تأكل القدّيد…” قال هذا حبيبنا وقدوتنا الأولى محمّد (ص) فالحياة هي إيمان بالبساطة وعيشها والرضى بها، والبعد عن أصحاب النظرة المظهرية ففيها راحة للقلب والعقل والروح، فمبدأ البساطة أنبل وأوضح من التواضع إذا نُزِع من الشيء شانه وإن كان فيه زانه، هي ثقافة ونوع فاخر من الجمال وتوازن في إنفاق المشاعر فلطالما أبهرتنا الفخامة ساعة ولكن البساطة أسعدتنا دهراً، فالبساطة عنوان لكل شيء ولا علاقة للفقر أو الغنى، الجهل أو العلم، الضعف أو القوّة…
لعلّ التفّوق الأسمى في هذه الحياة والذي يمكن للفرد أن يحقّقه هو البساطة، في شخصه وتعاملاته وأسلوبه مع من هم أقل شأنا وفي كل شيء لأنها فن لا يتقنه إلاّ العارفون المترفّعون عن الاهتمام فهي تلفت القلوب قبل أن تلفت الانتباه، بإضافتها رونقاً على شخصية الفرد فتميّزه وتجعله مختلف، فالسعيد هو الذي يستطيع الاستمتاع بمباهج الحياة البسيطة فتحيط به هالة من الوميض الجميل كونه فهم البساطة كشيء فطري وعفوي فمارسها وتبادلها وتمتّع بها.
كما أن جمال البساطة قد يتجاوز الفرد ليصل إلى غيره، فالبسطاء غالبا أشخاص يتمتّعون بسلام داخلي وقدرتهم على التعامل مع كل النّاس بطبيعتهم التي هم عليها، فيدخلون القلوب بدون استئذان فالبساطة مفتاح القلوب وتغطي على صفات أخرى في الفرد فتقرّبه من الكمال وهو ليس كذلك، فهي سر الحياة وليس لأي أحد امتلاكه.