“مانديلا” مِن السجن إلى مقاليد الحُكم
في تحقيقات وحوارات
428 زيارة
كتبت سلمى يوسف
منذ فجر التاريخ يشهد العالم محاولات (فردية وجماعية) تسعى لإصلاح الدول والمجتمعات، فعلى مَر العصور تسعى الشعوب المستعمَرة إلى الحرية وصد الاستعمار، كما ترنوا إلى التخلص مِن العنصرية والتمييز بين أفراد المجتمع، فتنهض الشعوب المظلومة مستجيبةً لنداءات الحرية ومُنَاهضة الفصل العُنصري.
تُعد جمهورية جنوب إفريقيا مِن أكثر دوَل العالم تنوعًا في الأعراق والثقافات والأديان، وذلك بسبب وقوعها تحت سيطرة هولندا ثم الاستعمار البريطاني الذي دام لأكثر مِن “100” عام ثم خروجه عام “1910”، مما يجعلها مِن أكثر الدول الإفريقية تنوعًا في السكان، وعلى الرغم مِن ذلك فإن الغالبية مِن السكان كانوا أفريقيي الأصل، أما الأقلية فكانوا هنود وهولنديين وعدد من الدول الأوروبية، أدى هذا التنوع العِرقي في وجود الاستعمار البريطاني إلى تكُّون سياسة الفصل العُنصري حتى وصل الأمر إلى أحقية الأقلية (أصحاب البشرة البيضاء) في انتخاب حكومتهم أما الغالبية (أصحاب البشرة السوداء) فلا يحق لهم.
في يوليو “1918” وُلد “نيلسون مانديلا” المُلقب فيما بعد بـ “أبو الأمة” والتحق بالمدرسة وهو في السابعة مِن عمره، ثم لاحِقًا درس في (جامعة فورت هير) و (جامعة ويتوترسراند) حيث درس القانون وانضم إلى حزب المؤتمر الوطني، عمِل كمحامٍ وأُلقي القبض عليه عدة مرات، حوكِم مع قيادة الحزب في محاكمة الخيانة، وبُرِّئ فيما بعد، ثم أُدين بالتخريب والتآمر لقلب نظام الحُكم وحُكِم عليه بالسجن مدى الحياة.
مكث “مانديلا” في السجن “27” عامًا، وفي زنزانته كان يُحضر لشهادة ليسانس الحقوق، وخلال فترة سجنه انتشرت حملة دولية للضغط على حكومة جنوب إفريقيا لإطلاق سراحه ورفَع أحد الصحفيين شعار (الحُريَّة لمانديلا) زادت مِن حملة الضغط على الحكومة، وعلى الرغم مِن ذلك رفضت الحكومة مطالب الرضوخ لمطالب الإفراج عنه، وفي عام “1985” عرض رئيس جنوب إفريقيا على “مانديلا” الإفراج عنه بشرط ( التخلى عن العُنف كسلاح سياسي دون قيود)، إلا أن “مانديلا” رفض العرض قائلًا :”فقط الأحرار يُمكنهم التفاوض، الرجال الأحرار فقط”.
في عام” 1989″ أصيب رئيس جنوب إفريقيا بجلطة دماغية فتولى الحثكم بعده المُحافظ “كليرك” وأطلق سراح جميع سجناء حزب المؤتمر الوطني دون شروط باستثناء “مانديلا”، وفي فبراير “1990” تم الإفراج عنه وقابل الحشود التي تجمعت والصحافة وقد بُث الحدث على الهواء مباشرةً إلى جميع أنحاء العالم، وفي مايو “1994” تم تنصيب “مانديلا” رئيسًا لجمهورية جنوب إفريقيا وكان أول رئيس أسود البشرة للبلاد، عاش “مانديلا” ببساطة، وتبرع بثُلث دخله السنوي لصندوق (نيلسون مانديلا للأطفال) الذي أسسه عام “1995”.
في يونيو “1999” تقاعد “مانيلا” وعاش حياة عائلية هادئة، وكثَّف جهوده لمُكافحة الأوبئة، وفي عمرٍ يزيد عن “85” عامًا أعلن “مانديلا” أنه (تقاعَد من التقاعُد) بسبب تدهور صحته، وفي عيد ميلاده “التسعين” تميز بالاحتفالات الرئيسية في جميع أنحاء البلاد، ثم في ديسمبر لعام “2013” توفى “أبو الأمة” محاطًا بعائلته في منزله متأثرًا بعدوى في الرئتين عانى منها طويلًا، لُسطِّر التاريخ حكايته وجهوده في ترك شعبه بلا فتنة أو فصل عنصري.
ومِن أقواله: “نحن، شعب جنوب إفريقيا، نُعلن للجميع في بلدنا والعالم حتى يعلموا أن جنوب إفريقيا مِلكٌ لجميع الذين يعيشون فيها، بيضٍ وسُود، وأنه لا يُمكن لأي حكومة أن تدَّعي بعدل سُلطتها ما لم يكن ذلك قائمًا على إرادة الشعب”، وقد اعترف في وقت لاحق أنه ورِث التمرُّد من والده بفخر وأن لديه إحساسًا عنيدًا بالعدالة.
2024-07-27