ورد في الحديث الصحيح: “إن لربِّك عليك حقًّا، ولنفسك عليك حقًّا، ولأهلك عليك حقًّا، فأعطِ كلَّ ذي حقٍّ حقَّهُ”؛ رواه البخاري:
ويقول المثل الإنجليزي: الاعتدال لجام ذهبي، لكننا لو أتينا إلى الحياة العملية، لأدركنا أن البعض منا يهتم بجانب واحد في عجلة حياته، ويترك بقية الجوانب، فمثلًا يهتم بتطوير نفسه ومواهبه، وينهمك في أعماله وتجارته، ولكن كل ذلك على حساب أسرته وتربية أولاده، والجلوس معهم، وهذا خطأ واضح في التوازن.
وهناك الكثير من الطرق للتخطيط و وضع الاستراتيجيات التي يمكن من خلالها لأي شخص أن يحقق أهدافه ، أول خطوة دائماً هي تدوين تلك الأهداف و تحويلها لخطة عملية يمكن تنفيذها وليس أماني مجردة في الهواء ، التدوين هو ما يجعل الأحلام حقيقة والأماني المجردة واقعاً تراه وتعيشه وتلمسه ..
والإنسان خلقه الله بأجزاءه الثلاثة ( روحاً وعقلاً وجسداً ) لا يقدر على الفصل بين هذه الأجزاء أو العيش بجزء دون آخر ، فهو بحاجة ليعيش متوازناً في هذا العالم يلبي احتياجات كل جزء و يعطيه ما يحتاجه فلا ينمو واحد ويكبر ويسيطر على حياة الإنسان دون آخر و إلا لفقد الإنسان قدرته على الحياة بشكل طبيعي .
و من خلال هذه الأجزاء يمكن تقسيم الحياة إلى ثمانية جوانب علينا مراعاتها أثناء وضع خططنا وأهدافنا في أي مرحلة من حياتنا و سنعرف كيف أننا في كل يوم نعيش هذه الأدوار الثمانية كلها بشكل تلقائي و شعورنا بأن شيئاً ما يسير بشكل خاطئ أو بالنقص غالباً ناجم عن نقص في تلبية احتياجات واحد من هذه الجوانب أو أكثر.
الجانب العملي أو المهني
وهو الجانب الذي نركز عليه بشكل كبير و نعتبر أن وضع الأهداف يتضمن الجانب المهني فقط و وضع خطة للتطوير العملي و الارتقاء بالعمل و تطويره و الحصول على ترفيعات وظيفية أو افتتاح مشروع جديد والدخول في صفقات كبيرة ، و هو جانب هام في حياة الإنسان لأن العمل هو أساس حياة المرء وسبب وجوده و تحقيق ذاته ، و مصدر دخله و حصوله على المال ..لكن برغم أهميته ليس هو الحياة كلها بل مجرد جزء واحد من أجزاء..
اسأل نفسك فى هذا الجانب :
كيف هو وضعي في العمل؟ هل أحب عملي و استمتع به، أم أنني أنتظر أول فرصة سانحة لأتركه و ألتحق بغيره؟
هل أريد أن أبدأ عملي الخاص؟ ، كيف هي علاقتي مع مديري ومع زملائي في العمل؟، ماهي الجهود التي أبذلها في سبيل تحسين أدائي؟ ، متى كانت آخر مرة حضرت فيها دورة تدريبية، أو حلقة بحث ، أو استمعت إلى برنامج صوتي ، أو قرأت كتاباً جيداً؟، كيف استثمر وقتي ؟ هل أنا منظم؟
الجانب المادي(المالى)
يتبع العمل ما نحصل عليه من العمل كمردود مادي و مال لنستطيع الحصول على متطلبات الحياة التي تتزايد باستمرار، إذا كان عمل واحد لا يكفي لتلبية الاحتياجات اليومية ، يجب التفكير في الحصول على عمل ثاني أو زيادة ساعات العمل ..و الأفضل هو التخطيط للحصول على المشروع الشخصي أو مشاركة آخرين في بدء عمل يحقق الاستقلال المادي و ينمي رصيدك ..المال هو قوة العصر و أي هدف تريد تحقيقه على جميع الأصعدة سيكون المال هو الأساس التي سيقوم عليه ليصبح واقعاً. اسأل نفسك:
كيف هو أدائي المالي؟ ، هل أكتسب ما يكفي من المال؟، كم من المال أريد أن يكون دخلي؟، هل لدي أي استثمارات؟، هل لدي مدخرات؟، هل أنفق أموالي؟
الجانب العلمي
أعتقد أن الذي يجعل المرء يكف عن كونه من الأحياء هو توقفه عن التعلم .. مهما كبرنا لا يجب أن نتوقف عن التعلم أبداً..لا يعني التعلم الانتساب إلى الجامعة فقط أو الحصول على شهادات الدراسات العليا ماجستير ودكتوراه ، يمكنك وضع خطة لتطوير لغتك الانجليزية أو تعلم لغة جديدة ، متابعة كورسات على النت في المجال الذي تحبه أو حضور كورسات في مراكز و تعلّم شيء جديد لم تكن تعرفه من قبل ..المهم لا تتوقف عن التعلم مهما حصل .
الجانب الأسري (العائلى)
يهمله كثيرون مقابل العمل و السعي لتحقيق متطلبات الحياة ، تمر الأيام ثم يكتشفون أنهم لم يكونوا مع عائلاتهم في لحظاتهم الجميلة ولم يشاركوا أولادهم و هم يكبرون ..من المهم أن نعرف كيف نخصص وقتاً نقضيه مع العائلة نترك فيه الهموم و مشاكل العمل خارج المنزل و نستمتع بكل لحظة نشاركها معهم ..لا داعي للانتظار حتى تكتشف أن الوقت قد مضى وفاتنا أن نعيش مع عائلتنا و نكتشف أنهم غرباء عنا.
الجانب الاجتماعي
مثلما علينا أن نخصص وقتاً للعائلة ، هناك وقت للمتعة مع الأصدقاء ..ساعة أسبوعياً للاجتماع معهم و متابعة أخبارهم و مساندة بعضهم البعض في الأوقات العصيبة ، وتوسيع العلاقات الاجتماعية و المهنية وتقويتها على جميع الأصعدة .
اسأل نفسك :كيف استخدم ايام انقطاعي عن العمل؟ هل استفيد منها في الاسترخاء، أو في زيارة أصدقائي، أو استمر في العمل؟ ، كيف هي علاقتي بأصدقائي، هل أدعوهم من وقت لآخر،هل يقابلون دعوتي بدعوة مثلها؟
الجانب الشخصي
في غمرة انهماكنا بالعمل و الدراسة ، ومتابعة أحوال العائلة و الأصدقاء ..قد ننسى أنفسنا و هي الأحق منا الاهتمام بها و إعطاءها الأولوية ، إهمال هذاالجانب قد يؤدي إلى فشل الجوانب الأخرى لأنه يشمل :
تطوير الذات و وضع خطة للتخلص من بعض العادات السيئة واكتساب عادات حسنة تريد التمثل بها ..مثل التوقف عن التدخين ، التعامل بهدوء مع الناس ، التمرن على التعامل مع الضغوطات …الخ
حياتنا ليست سوى عادات اكتسبناها و يمكن تغييرها..
حضور دورات تدريبية للتطوير وتعلم مهارات جديدة أو ممارسة هواية ربما توقفت عنها منذ زمن..خصص نصف ساعة أسبوعية على الأقل للهوايات و ستجد أنك قمت بعمل رائع نهاية العام.
القراءة…أي حياة تلك التي سنقضيها دون قراءة !!..يقوم موقع goodreads بتقديم فكرة رائعة للأعضاء ومنحهم الفرصة للمشاركة في تحدي القراءة كل عام
إذا أنهيت كتابين في الشهر ستنهي في العام 24 كتاب..رقم جيد لو كنت مبتدئ، انتقي كتب تحبها وترغب بقراءتها ولاتجبر نفسك على القراءة في مجال لاتحبه، ستجد أن حصيلتك من المعلومات قد زادت كثيراً في نهاية العام.
اسأل نفسك: كيف هي حياتك الشخصية؟ هل أحب نفسي؟هل أقبل نفسي؟ ، هل لدي هوايات خاصة تشغلني وتساعدني على الاسترخاء الفكري؟ ، متى كانت آخر مرة أخذت فيها إجازة؟ ،هل أحب القراءة ؟ متى آخر مرة قرأت فيها كتاباً؟
الجانب الصحي
المقولة التي حفظناها صغاراً ( العقل السليم في الجسم السليم ) لم تأتِ من فراغ ، وليست بلا داعي على الإطلاق..
كم من المرات قررنا ممارسة الرياضة كل يوم وانتظمنا بها فترة بسيطة ثم توقفنا؟ !..أو قررنا التوقف عن تناول الدهون و الدسم و تناول طعام صحي ثم ضعفنا عند أول وجبة لذيذة نراها .. الحميات الكثيرة التي لم نتبعها…
ربما حان الوقت لنقوم ببعض الخطوات الإيجابية تجاه أجسادنا و الاعتناء بها لتساعدنا على متابعة حياتنا بشكل مريح .
سأل نفسك:كيف هو وضعي الصحي بشكل عام؟ ، ماذا عن وزني :هل أنا سعيد بوزني أم أنني أريد أن أفقد شيئا منه ،أو أزيد عليه؟، كيف هي عاداتي الغذائية؟ هل أتناول طعاما صحيا-الكثير من السلطة؟هل أشرب كفايتي من الماء يوميا؟
هل أمارس الرياضة يوميا؟ ،هل أقوم برياضة المشي الممتعة بشكل مستمر؟ ،هل أحتفظ بأفكار صحية في عقلي؟
الجانب الروحي
لكل بناء سند وأساس..وأساس حياة الإنسان وقدرته على الاستمرار اعتناءه بروحه و تنميتها و المحافظة عليها براقة صافية ..لا يمكن للجسد أو العقل الاستمرار بشكل سليم طالما ان الروح متعبة ..
التأمل والتفكر في خلق الله يحيي الروح و ينميها و يوصلها بخالقها و مصدر سعادتها ..أي نوع من العبادات تمارس سيكون مصدر قوة روحية لك طالما توصلك بالله ..
اسأل نفسك: ماهو موقعي في حياتي الروحانية؟ ،كيف هي علاقتي مع ربي؟، ما الخير الذي اعمله الآن والذي يقربني من الله؟، هل أساعد الفقراء بكل طريقة ممكنة؟، هل أصلي يوميا وكثيرا؟، هل أقوم بالتأمل لأريح جسمي وعقلي؟
إذا كنت تراعي كل الجوانب في الأعلى و لم تزل تشعر بالضعف و عدم القدرة على فعل ما عليك فعله..فراجع الجانب الروحي في حياتك ومتابعتك له بشكل عميق و ليس سطحي وشكلي..
أعتقد أنه من الرائع هذا التنوع الذي يشمل حياتنا فلا يجعلنا نشعر بالملل..إذا تعبنا من العمل لجأنا للعائلة وإذا أتعبتنا هموم العائلة لجأنا ا للأصدقاء ………………وهكذا