طبيب الغلابة.. كان إنسانًا قبل أن يكون طبيبًا
في تحقيقات وحوارات
674 زيارة
كتبت: ياسمين أنور
“اكتشفتُ بعد تخرجي أن والدي ضحى بتكاليف علاجه من أجل أن أكون طبيبًا، فعاهدتُ نفسي ألا آخذ قرشًا من محتاج أو فقير” ، بهذا القول الدكتور “محمد مشالي ” عاهد نفسه وقد سار على هذا العهد حتى لقى ربه.
والدكتور “محمد مشالي” والذي لُقب بطبيب الغلابة، ولكن هذا اللقب لم يُطلق عليه من فراغٍ، فلقد كرث حياته وعلمه لمساعدة المرضى المحتاجين والغلابة، فأنشأ ثلاث عيادات للكشف بأجر رمزي “10” جنيهات، ومن لم يقدر على الدفع يقوم بالكشف عليه مجانًا.
حيث تخرج من كلية الطب جامعة القصر العيني، عام “1967” وكان حاصل على نسبة 99.3%، وكان الأول على دفعته.
“محمد مشالي” من أبناء محافظة البحيرة حيث ولد بها، ولكن انتقل هو وأسرته إلى طنطا تبعًا لمكان عمل والده، ودخل مدارس طنطا، ومن ثم التحق بكلية الطب بجامعة القصر العيني.
قام عمله بالقطاع الريفي، وتنقل طبيب الغلابة بين الوحدات الريفية، وتم ترقيته لمنصب مدير مستشفى الامراض المتوطنة، حتى بلغ سن المعاش.
وقد رفض طبيب الغلابة مئات الجنيهات من احدى برامج التليفزيون، قائلا أنا لا أحتاج للمال، مؤكدا على أنه سيظل دائما يساعد الفقراء والمحتاجين، قائلًا “ما ينفعش أعمل ثروة من لحم الفقراء، مكسبي هو تربية أولادي، ودعوة المرضى”.
كما أنه تأثر بموقف الطفل الذي لم تستطع أن تشتري له والدته الأنسولين، فقام باشعال النار في جسده ولم يستطع د.محمد مشالي من انقاذه ومات بين يديه، فكان هذا الموقف هو نقطة التحوّل في حياته، وعلم أن الدنيا دار فناء، فآثر مساعدة الفقراء.
الدكتور “محمد مشالي” كان يعالج الفقراء منذ “50” سنة في عيادته في طنطا، ولم يكن الكشف يتعدى ال”10″ جنيهات، وكان يعطيهم كذلك أموالا لشراء الدواء، فجزاه الله خير الجزاء على تلك الاعمال الفضيلة
مات طبيب الغلابة لكن الله حيٌّ لا يموت، توفى 28/7/2020، ولكن ذكراه خالدة في نفوسنا لا تموت، رحم الله شخصًا لم يُغريه مالًا ولا مكانًا، أيقن أن الدنيا دار فناء، فكرث عمله وعلمه لمساعدة المرضى الفقراء، فكلنا راحلون لكن من منّا ترك أثرا طيبا، فكان إنسانًا قبل أن يكون طبيبًا، غفر الله لك ورزقك الفردوس الأعلى وجعل عملك في ميزان حسناتك.
وأخيرًا، لئن لم نلتقي في الأرض يومًا، وفرّق بيننا كأس المنون، فموعدنا غدًا في دارِ خلدٍ بها يحيا الحنون مع الحنون، إلى دار عدنٍ والمقام، إلى العيش الرغد بلا امتنان.
2020-07-28