شم النسيم هو مهرجان يقام سنوياً في فصل الربيع، إلا أنه ينسجم مع موروث ثقافي أقدم حيث كان من أعياد قدماء المصريين في عهود الفراعنة، ويحتفل فيه جميع المصريين بدخول الربيع بزيارة المنتزهات وتلوين البيض وأكل الفسيخ. وترجع بداية الاحتفال به إلى ما يقرب من خمسة آلاف عام، أي نحو عام (2700 ق.م)، وبالتحديد إلى أواخر الأسرة الثالثة الفرعونية ويحتفل به الشعب المصري حتي الآن. وإن كان بعض المؤرخين يرون أن بداية الاحتفال به ترجع إلى عصر ما قبل الأسرات، ويعتقدون أن الاحتفال بهذا العيد كان معروفًا في مدينة هليوبوليس “أون”.
وترجع تسمية “شم النسيم” بهذا الاسم إلى الكلمة الفرعونية “شمو”. وشمو كلمة مصرية قديمة لها صورتان: وهو عيد يرمز – عند قدماء المصريين – إلى بعث الحياة، وكان المصريون القدماء يعتقدون أن ذلك اليوم هو أول الزمان، أو بدأ خلق العالم كما كانوا يتصورون وقد تعرض الاسم للتحريف على مرِّ العصور، وأضيفت إليه كلمة “النسيم” لارتباط هذا الفصل باعتدال الجو، وطيب النسيم، وما يصاحب الاحتفال بذلك العيد من الخروج إلى الحدائق والمتنزهات والاستمتاع بجمال الطبيعة وكان قدماء المصريين يحتفلون بذلك اليوم في احتفال رسمي كبير فيما يعرف بالانقلاب الربيعي، وهو اليوم الذي يتساوى فيه الليل والنهار، وقت حلول الشمس في برج الحمل فكانوا يجتمعون أمام الواجهة الشمالية للهرم – قبل الغروب ؛ ليشهدوا غروب الشمس فيظهر قرص الشمس وهو يميل نحو الغروب مقتربًا تدريجيًّا من قمة الهرم، حتى يبدو للناظرين وكأنه يجلس فوق قمة الهرم. وفي تلك اللحظة يحدث شيء عجيب، حيث تخترق أشعة الشمس قمة الهرم، فتبدو واجهة الهرم أمام أعين المشاهدين وقد انشطرت إلى قسمين. ومازالت هذه الظاهرة العجيبة تحدث مع مقدم الربيع في الحادي والعشرين من مارس كل عام، في الدقائق الأخيرة من الساعة السادسة مساءً، نتيجة سقوط أشعة الشمس بزاوية معينة على الواجهة الجنوبية للهرم، فتكشف أشعتها الخافتة الخط الفاصل بين مثلثي الواجهة الذين يتبادلان الضوء والظلال فتبدو وكأنها شطران. وقد توصل العالم الفلكي والرياضي البريطاني “بركتور” إلى رصد هذه الظاهرة، وتمكن من تصوير لحظة انشطار واجهة الهرم في عام 1920م، كما استطاع العالم الفرنسي “أندريه بوشان” – في عام 1934م – تسجيل تلك الظاهرة المثيرة باستخدام الأشعة تحت الحمراء.
اهتم المصريون منذ القدم بعيد شم النسيم اهتمام خاص جدا حتى التاريخ المعاصر. وارتبط شم النسيم بمجموعة أطعمة تقليدية خاصة تتعلق بالعادات والتقاليد ، والتي انتقلت من المصريين القدماء عبر العصور لتفرض نفسها على أعياد الربيع فى أنحاء العالم القديم والحديث. وتشمل قائمة الأطعمة المميزة لمائدة شم النسيم : البيض، والفسيخ (السمك المملح)، والخس، والبصل، والملانة (الحمص الأخضر)، وهي أطعمة مصرية كان لها معنى ومدلول عند المصريون القدماء.
اولاً البيض الملون:- تتسم كل موائد الطعام فى مختلف بلاد العالم بوجود البيض فى يوم عيد شم النسيم ويرجع هذا المعتقد إلى القدماء المصريين. حيث كانوا يقومون بتلوين البيض وكتابة أمنياتهم عليه وتعليق البيض فى أفرع الشّجر حتى يأتي نور الإله (الشمس) وتأتي بركاته ويحقق لهم أمنياتهم. ثانياً الفسيخ( السمك المملح):- وظهرت هذه الفكرة فى القرن الخامس الميلادي حينما بدأ المصريّين يقدسون النيل ويعتبرونه إله ويعتقدون أن الحياة قد بدأت من النيل، ومن هنا كانوا المصريون القدماء بارعون فى حفظ الأسماك وتمليحها. ثالثا البصل:- ظهر ضمن أطعمة العيد التقليدية أيام الأسرة السادسة وارتبط عندهم بإرادة الحياة وقهر الموت والتغلب على المرض، وارتبط ظهوره برواية وردت في إحدى برديات أساطير منف القديمة التي تروى أن أحد ملوك الفراعنة كان له طفل وحيد أصيب بمرض غامض أقعده عن الحركة لعدة سنوات وعجز الأطباء والكهنة في معبد منف في علاجه ، ولجأ الفرعون إلى الكاهن الأكبر لمعبد “اون” معبد اله الشمس والذي أرجع سبب مرض الابن إلى سيطرة الأرواح الشريرة عليه وأمر بوضع ثمرة ناضجة من البصل تحت رأس الأمير بعد أن قرأ عليها بعض التعاويذ . كما علق على السرير وأبواب الغرف بالقصر أعواد البصل الأخضر لطرد الأرواح الشريرة وعند شروق الشمس قام بشق ثمرة البصل ووضع عصيرها في أنف الأمير الذي شفى تدريجيا من مرضه ومنذ ذلك الوقت اعتبره الفراعنة من النباتات المقدسة. رابعاً الخس والملانة:- يعد الخس من النباتات المفضلة التي تعلن عن حلول الربيع باكتمال نموها وعرف ابتدأ من الأسرة الرابعة حيث ظهرت صوره في سلال القرابين بورقه الأخضر الطويل ، وكان يسمى بالهيروغليفية “عب”، واعتبره المصريون القدماء من النباتات المقدسة. أما نبات الحمص الأخضر وهو ما يعرف عند المصريين باسم “الملانة”، فقد جعلوا من نضوجه إشارة إلى مقدم الربيع.
واخيرا إليكم الاحتياطات الصحية التي يجب أخذها في الاعتبار عند تناول الأطعمة فى شم النسيم. تناول الخس والبصل والليمون وخل التفاح للتقليل من أعراض وآثار الفسيخ الضارة نوعا ما وللتخلص من السموم نحتاج إلى كمية كبيرة من الماء للتخلص من عناصر الصوديوم التى حصلنا عليها. تناول كمية كبيرة من الخضراوات الورقية عند تناول الفسيخ والرنجة, حيث تعمل على خروج الماء من الجسم مثل البصل الأخضر, الكرفس, الخس, الجرجير. البقدونس والموز والبرتقال غنى بالبوتاسيوم لذا يتم تناولهم بعد الفسيخ لتساعد على إخراج الملح من الجسم.
تناول الخبز المصنوع من القمح الكامل أو المحتوي علي الردة معها يعطي الإحساس بالشبع. شرب كمية كبيرة من الماء للتخلص من الأملاح وعدم ترسبها في الجسم. يفضل شرب الشاي الأخضر والكركديه والينسون. عدم تناول المشروبات الغازية مع الأسماك المملحة حتي لا تساعد علي احتباس الماء بالجسم لاحتوائها علي بيكربونات الصوديوم. ويستمر الاحتفال بهذا العيد تقليدًا متوارثًا تتناقله الأجيال عبر الأزمان والعصور، يحمل الكثير من العادات والتقاليد التي مارسها القدماء المصريين منذ عصر الفراعنة وحتى الآن.